2024
Adsense
مقالات صحفية

العيد وكوفيد العنيد

علي بن مبارك اليعربي

منذ أن أصدرت منظمة الصحة العالمية في 31 من ديسمبر 2019 تحذيرات عن تفشي مرض فيروسي يطلق عليه كورونا يسبب التهابات رئوية، مصدره جمهورية الصين، يفتك بالبشر وخاصة ممن مناعته ضعيفة، أو يعاني من أمراض مزمنة، مما دفع بالدول -منظمات ومؤسسات- إلى اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة للحد من انتشاره، وشكلت لجان -رئيسية وفرعية- لمتابعة تلك الإجراءات الاحترازية الوقائية حرصا على سلامة وصحة الجميع.
و عماننا الحبيبة لم تكن بمنأى عما أصاب العالم من جراء تلكم الجائحة، حيث اتخذت كافة الإجراءات آنفة الذكر، وأغلقت المحال التجارية، ودور العبادة، والمدارس والجامعات، وقلصت أعداد الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة، كما طبقت نظم التحكم والسيطرة، وذلك للحد من توسع دائرة انتشار ذلك الفيروس ،بالإضافة إلى تكثيف الجهود الصحية الأولية منها و العلاجية، وتوفير كافة المستلزمات الوقائية، وتشكيل لجان مسحية لتتبع مناطق انتشاره، إلا أن ذلك -للأسف الشديد- لم يكن كافيا لمواجهة تحديات هذا الفيروس العنيد وعلينا أن نضع ثلاثة خطوط تحت كلمة عنيد لأن عناده ليس فقط منه بل هو أيضاً صناعة بشرية ترتوي من ينبوع التذاكي وكما قال الشاعر عبدالرحمن بن مساعد :
التغابي فن من أذكى الفنون
والتذاكي من الغبي مايحتذى
والوفا بي طبع لو طبعك تخون
والعطر ما خَصّ أحدٍ بالشَذا

نعم عزيزي يجب علينا أن نتغابى في بعض الأمور وهذا ذكاء بحد ذاته وهو فن لا يجيده الكثير منا
وقد قال الشاعر أبو تمام:
لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ … لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي
فمن يمتلكه وصل للإبداع، لأنه لا يجتث المعرفة بل ينتزعها من جذورها، ويطوعها للاستفادة منها.
أما التذاكي فهذا سلاح الغبي حيث إنه يدعي المعرفة في كل شيء، صحيح إنهم قلة في مجتمعنا -ولله الحمد والمنة- لكن أثرهم كبير ، و ذلك لأن المروجين لهم كثر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فمنهم من يتذاكى ويعلن أن علاج هذا الوباء بتناول بعض الأعشاب و النباتات ، والبعض الآخر يحث الناس على الخروج وتعريض أنفسهم لأشعة الشمس، والآخر يهون الأمر و يثبت -أو يحاول بزعمه- أن هذا الوباء ليس إلا أكذوبة، والكثير و الكثير من الأقاويل التي تتداول ويتناقلها الناسخون في وسائل التواصل الاجتماعي ممن لا يفقهون غير القص واللصق، وأولئك الذين يحتذون بالغبي المتذاكي ، وهذه التبعية و الاحتذاء -للأسف- هو ما أبعدنا عن بعضنا البعض و لفترة ليست بالقصيرة ،من مارس ألفين وعشرين وحتى يومنا هذا.
انتظرنا شهراً فضيلاً يجمعنا بأحبتنا على موائد الإفطار والسحور، أو في بيوت الله نجتمع على أداء الصلوات الخمس وما اختصه هذا الشهر المبارك صلاة التهجد والتراويح والاعتكاف لكن غادرنا -وما باليد حيلة- وهذا العنيد واقف على أبواب الفرج يمنعنا.
ورفعنا الأكف بدعاء المتوكل على الله أن يرفع الله عنا البلاء -وأعيننا شاخصة- ترتجي النظر إلى بيت الله الحرام وهو يزدحم بوفود الرحمن ترتفع أيديهم قبل أصواتهم بالتهليل والتكبير تصدح به أفواه الحجيج ويجتمع باقي المسلمين في المساجد والساحات مزدانة بجموع المصلين يؤدون صلاة العيد الأضحى، يعوضون ابتعادهم عنها في عيد الفطر المبارك، ولم ندرك إلا متأخرين أننا لم نتوكل على الله حق توكله، وإنما تواكلنا …! حينما تجاهل بعضنا تلك الإجراءات الاحترازية -بقصد أو بغير قصد-، ولم نأخذ بالأسباب بل تذاكينا على بعضنا وأقحمنا أنفسنا في أمور لا ندركها وأصبحنا أطباء وعلماء وباحثون ومحللون ومخترعون وخبراء اقتصاد وسياسيون نجيز أشياء ونرفض أخرى. وأصابنا ذلك الغبي بغبائه، وإن لم ننتبه ونعي هذا الأمر لازداد الأمر سوءً وأبقينا كوفيد 19 بيننا لفترة أطول.. وأخذ منا الأب والأم والولد و زرع فينا أولاده وأحفاده ومنع عنا القريب والبعيد لأننا جهلنا أو تجاهلنا قول الله تعالى في محكم التنزيل { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} } [الحجرات 6] فإذا استمر الوضع كما هو عليه، ولم نلتزم بما تقوم به الجهات المختصة ونثمن جهود المخلصين منهم في التصدي لهذا الوباء العنيد فإننا سوف ننسى ولأمد بعيد-لا يعلمه إلا الله- والعياذ بالله- المناسبات الدينية والوطنية والأفراح والليالي الملاح، أو سنبتعد كثيراً عن دور العلم والعبادة، وعشنا في عزلة واتخذنا من الهاتف والتلفاز والأسطح الذكية الصديق والونيس فبِئْس الورد الْمَورود، حيث إنها لن تغنينا عن التواصل والتقارب الاجتماعي، هذا أمر جبلنا عليه ومن الصعب تعويضه بأي شيء مهما حاولنا.
لهذا أقول لكم أعزائي قد سن الله عز وجل في هذا العيد على الأمة الإسلامية؛ ألا وهي تقديم الأضاحي تقرباً إليه سبحانه وتعالى وشرع على كل مقتدر تقديم أضحية عنه و عن من يعول بعد صلاة العيد وفي الوضع الراهن الجميع مطالب بالقليل من التضحيات من أجل سلامته وحفظ الأنفس و الأرواح وهذا أيضًا أمر رباني مصداقاً لقوله تعالى {{أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}} من الآية (32) في سورة المائدة. وفي سياق الحديث عن هذا الوباء المتفشي في هذه الأيام وما تنص عليه الآية الكريمة هو أنه إذا لم يلتزم أي منا بما تقره الجهات المعنية بمكافحة هذه الجائحة الوبائية بالتعليمات وأدى ذلك إلى التسبب في إزهاق روح فرد من أفراد المجتمع يصبح قاتلا شرعاً -ووجب عقابه- لأنه يعد متعمداً حين لم يلتزم بالاشتراطات الصحية التي تحافظ على حياته وحياة الآخرين.
رغم أننا ندرك تماماً أن ممارسة الالتزام بتلك الإجراءات قد تعطل مصالحك لأيام وقد تخسر مادياً ومعنوياً، ولكن الصبر صفة يصف الله بها عباده الصالحين بقوله تعالى في سورة البقرة: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة-155 – 157؛ ولولا تلك الخسائر لما قلت لك عزيزي إنك قادر على أن تضحي في هذا العيد بأضحيتين إذا كنت ممن يقدرون على شراء الأضحية وبأضحية إن كنت لا تمتلك نقوداً لشرائها فثمنها بخس لا يتعدى الالتزام بتوجيهات اللجنة العليا المكلفة للحد من انتشار جائحة كورونا كوفيد 19، وتكون بذلك سرت على هدى ابن الذبيحين -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-، وأحييت سنة الله ورسوله في إعمار الأرض والحفاظ على كل دابة حية فيها. حينها تستبشر بقدوم أعياد تجمعك بالأهل والأحباب كسابق العهد في نفس الزمان والمكان، وننعم جميعا في عمان بالأمن والأمان.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights