قراءة عن التنفيذ الجبري وفقاً للقانون العُماني
ظافر بن عبدالله الحارثي
وُجِدتْ القوانين لتنظيمِ العلاقات بينَ الأفراد، والحِرصِ على سَيرها بصورةٍ لا تُشكّل تَعدّياً على حقوق بعضهمُ البعض أوالآخَرين، ولأَنّ فِطرة الإنسان وطبيعتها اجتماعية، أيْ أنّهُ لا مُحال سَوفَ يحتاج للآخَرين لِسَدّ احتياجاتهِ ومُتَطلباتِ العيش المُتجدّدة، وسوف يَدخل في علاقاتٍ مع الآخَرين، ومِن بين هذهِ العلاقات تلك الالتزامات والتصرفات القانونية أيّاً كانَ مَصدرها، فَبالرّغم مِن توافر الثِّقة بين الطرفين وإلمامهما بأهمية تنفيذ التزاماتهما التي سيُعاقَبان عليها فيما إذا لمْ يَتم تنفيذها، أقَرَّ القانون وسيلةً حمائِية لِضمان تنفيذ التزام المَدينِ لِلدّائن، فبَعد أنْ تجاوزا القواعد الأخلاقية التي تتمثل في التنفيذ الاختياري أو الطوعي والذي يُبادر مِنْ خِلالهِ الفَرد للوفاء بالدَّين، ننتقل بَعدها إلى التنفيذ الجبريّ.
فالتنفيذُ الجبري يُعَدّ وسيلةً مُقرَرةً لصاحب الحقّ (الدائن) باللجوء للقضاء لِإجبار المَدين على تنفيذ الدّين أي الوفاء بالالتزام، فتقوم الدولة بهذا التنفيذ الذي كان قديماً يقوم بهِ الفَرد نفسه، فأتَت القوانين لحِفظ طرفَي العلاقة ومراكزهما القانونية، وضمان عدم تعسُّف الأفراد والإفراط في استخدام القوة؛ فالتنفيذ دائماً ما يكون محلّه الذِمّة المالية ولا تمسّ جسد الإنسان؛ ولِلتنفيذ الجبري طريقتان، إمّا التنفيذ مباشرةً، الذي عادةً ما يتمّ بخطوةٍ واحدةٍ وذلك بقيام المَدين بتنفيذ عَين ما التزمَ بِه وهُو الأصل، بِشرط أنْ يكون التنفيذُ مُمكناً وغير مستحيل، إلّا أنّ هذه الطريقة قدْ لا تكون مُتاحةً دائماً مِمّا قدْ يعتريها مِن موانع سواء كانتْ ماديةً أو أدبية، فتنتقل بدورها إلى التنفيذ الغير مُباشر الذي يَستلزم القيام بِعددٍ مِن الخُطُوات المُمَثّلة بالحَجز على أموالِ المَدين وعَرضِها لِلمزاد العلني وتحصيل الأموال لِلقيام بالتنفيذ.
علاوةً على ذلك أوجَد المُشرّع طرق ضغط أثناءَ القيام بالتنفيذ الجبري وهو ما يُسمى بالوسائل التهديدية والتي إمّا تكون إكراهاً مالياً كتكبيل المَدين بأموال زائدة عن طريق فرْض غرامات لتأخير السداد، إلا أنّ هذه الطريقة اعتبرها القانون العماني وسيلةً غير رادعة وإمّا إكراهاً بدنياً كمنع المَدين من السّفر مع ضرورة توافُر أسباب المنع التي نَصّ عليها صراحةً والتي يُمكن للمَدين نفسه التظلُّم أمام المحكمة عليها، وتبقى هذه المسألة سُلْطة تقديرية للقاضي، وأيضاً من وسائل الإكراه البدني الحبس الذي يتمّ بناءً على طلب الدّائن بتقديم أوراقٍ للمحكمة، ومع ذلك فقرار الحبس يُعفى منه الفرد البالغ من العمر 70 عاماً والمجنون والطفل الذي لم يبلغ 12 عاماً وأيضاً في حال تقديم كفالة موثوقة وغيرها من الأسباب التي أشار إليها المُشرع؛ وللتنفيذ الجبري مراحل، بدءاً مِن توافر السَّنَد التنفيذي وهي الورقة التي أعطاها المشرع القوّة التنفيذية، ومن أشهرها والأكثر وثوقاً بها هي الأحكام القضائية وأحكام المُحَكِّمين ثُمّ تحديد جِهة التنفيذ والأشخاص المُنفذين ضِدّهُم وتحديد ما سوف يتمّ التنفيذ عليه مِن أموال، إلى البدء بمقدمات التنفيذ كالإنذار.
ولأنَّ عَدم جَواز الجهل بالقانون قاعدة أساسية في الدساتير، يحرص المُتخصصون على نشْر الوعي القانوني بصورة مستمرة، إلّا أنّ جهودهم وجهود مختلف المؤسّسَات والجِهات في الوصول للاكتفاء الثقافي القانوني للمجتمع غير ممكناً، لذلك نُنادي باستمرار استيقاظ المسؤولية الفردية للأشخاص والحِرص على استشارةِ المتخصصين على الأقلّ، ومِن هذا المُنطَلق كانت الفِكرة بتلخيص العناصر المُهمة لمنهج مُقرّر التنفيذ الجبري وهو امتدادٌ لمُقرر قانون المرافعات والتي مِن خِلالها يتعرّف الفرد على المنظومة القضائية وآليّة سَيرها بشكلٍ عام، إلى صورة سهلة ممتعة وعميقة مباشرة، تُحقّق إثراءً للمُتلقي.