أحمد الحراصي
في مبدأ الاعتذار هناك قاموس الاحترام فعندما تتقن الاحترام فهنيئا لك يا صديقي بأني سأقول لك أنك أتقنت الاعتذار .. فكل من اعتذر يوما لصديقٍ عزيزٍ أو أي إنسان .. لم يدل على ضعفه قط ولكن دل على أنه إنسانٌ يحافظ على علاقاته مع من أحبهم يوما وتراكمت أحلامهم وانفتحت أسرارهم وسارت أمنياتهم الجميلة في ذهن كلا منهم فلا تعرف أيهم فلان وأيهم الآخر لأنهم باختصار نسخة لكل واحد منهم. فأكلوا من نفس المائدة المستديرة في صحن واحد وشربوا من نفس الماء في كأس واحد .. فلا تعجب أنه بعد كل هذا يعتذر أحد منهما أو كلاهما من الآخر لأنه فكر في تلك الأيام الماضية التي قضوها معا فأخذ قليلا من العاطفة في عقله وقليلا من التفكير في قلبه حتى رجح ميزان الاعتذار على ميزان الفراق .. إنها باختصار تلك الأيام الماضية والذاكرة التي لا تمحوها أي شائبة لمجرد كلمة بسيطة ارتكبها أحدهم في حق الآخر.
لذلك فأنا هنا اليوم أيضاً لأعتذر .. نعم أعتذر لكل من أسأت نحو ذاته الشخصية أو إلى صديق من أصدقائه رغم أنني لا أذكر بأنني أخطأت ولكن الاعتذار أولى من الصمت والركود فالله يعرف كم زلة أو خطأ ارتكبته في حق شخص بكلمة جارحة وأنا لا أدري عنها فقط إنها زلة لسان فأنا أعتذر.
أعتذر لكل شخص جرحته بكلمة غير مقصودة ولكل شخص خنت ثقته يوما ولكل أصدقائي وكل من يعرفني فأنا أعتذر أخيراً رغم أنني متأخر لذا فأنا على كل حال وعلى كل كلمة صدرت مني أو فعل أقمته على أحد أو اعترضت عليه وسواء كان هذا الخطأ في الحاضر أو الماضي فأنا أعتذر فقط.
أعتذر من نفسي التي تمنت أن أكون يوما كما تريد هي .. حتى ألقتني الأمواج الهادئة على هذه الحال اليوم .. أعتذر لأنني لم أوفِ حقها وحق كل من خنت ثقته الطيبة بأنني سأكون على النحو الذي أراده .. ولكن شاءت القدرة الإلهية أن المسار الذي رسمه هو قد تغير وأن الخطة لم تجرِ كما أراد لها هو فأنا أعتذر.
أعتذر من الحياة التي أرادتني أن أكون طيباً دائماً وملائما لها ومتكيفا رغم ظروفها القاسية والمستوحشة. أعتذر لأنني لم أكن طيباً بما فيه الكفاية، فالحياة كانت أشبه بالجحيم يوما فكلفتني أن أكون قاسيا وعنيدا وعاملتها بالمثل ولم أعِ بأن الحياة هنا كانت تختبر صبري وكفاءتي فعذرا أنني لم أكن أعرف حتى اكتشفت هذا مع الأيام فأنا أعتذر.
أعتذر من معلمي الذي علمني كل حرف وكل كلمة ومعانيها في الأبجدية العربية والإنجليزية .. لأنني لم أرد له الجميل بعد .. فعذراً معلمي للأكاذيب التي لفقتها لك لتعتبرها عذراً .. فعذراً معلمي فأنا لا زلت في مسالك الدراسة فشكراً لك على طيب المعلومات التي قدمتها شكراً لك من القلب ولكن رغم ذلك فأنا أعتذر.
أعتذر لكل من شاهدني وأنا أفعل أو سمعني أقول ما لا يحبه هو وأشياء كثيرة يراها بنظرة إحساس غير مجدية نفعا .. فعذراً يا صديقي .. عذراً أيها العابر .. عذراً أيها الإنسان الذي أُرسلت لتنير لي الدرب وتغيرني لكشف الحقيقة لإصلاح خطئي لذا فأنا أعتذر.
أعتذر لأهلي وبالأخص والدي .. أعتذر لأنني خيبت آمالهم ذات يوم فلم أكن ذلك الشخص الذي أرادوه أن يصبح على المنوال الذي وضعوه لكنني للأسف خيبت أملهم لأصبح شخصا آخر فأنا هنا أيضاً أعتذر.
أعتذر لزملاء الدراسة الذين عرفوني وعشنا معا أجمل اللحظات الجميلة ولربما الأخيرة والتي أعطت طابعا آخرا لمعنى الحب في الله .. عذراً للأشخاص الذين وثقوا في و ظنوا أنني نعم الشخص الذي عرفوه ونعم الطالب الذي يسهر طوال الليالي والأيام لتقصي ولو أبسط المعلومات التي يدرسها ليأخذ المزيد من المعرفة فأنا أعتذر لأنني لم أفعل وتكاسلت لطلبهم للاستفادة من المعلومة التي طلبوا شرحها فأنا أعتذر.
أعتذر أيضاً من كتبي المهملة طوال الدراسة وطوال الفصل الدراسي الواحد .. لم أقلب صفحاتها يوما للبحث عن تلك المعلومة التي استغلقت علي ذات مرة .. أعتذر لك يا كتابي لأنني أحسستك بالإهمال ولم أزرك إلا عند قدوم أبواب الامتحانات حتى أنك استغربت وجودي المفاجئ وأقلب أوراقك الجديدة في نظري ولكن رغم كل هذا لم تخنني يوما فقد أعطيتني جل ما طلبته .. ولكن رغم كل شيء أنا أعتذر.
أعتذر من قلمي وكتاباتي التي وصفتها يوما بأنها “صديقي الخاص” الذي أشكو إليه همومي وأنفس معه عن غضبي واستيائي. أعتذر لأنني أهملتك طويلا وها أنا أعود إليك اليوم لأعتذر رغم أنني أتذكر آخرَ كتاباتي ولكن أعتذر لأنني لم أجد الوقت الكافي لأكتب وأنفس عما رأيته حولي من أحداث وحكايات فأنا أعتذر.
أخيراً أعتذر لكل شخص نسيته في اعتذاري له هنا .. أعتذر رغم أنني لا أذكر بأن هناك آخرون يستحقون اعتذاري لهم ولكن لعل ذاكرتي لم تقوَ على التذكار لذا فأنا على النسيان أعتذر .
