العبرة في التباعد الاجتماعي
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail.com
الحمد لله الذي بيده الخلق والأمر والصلاة والسلام على الذي علا بنهيه والأمر وعلى آله وصحبه ذوي الفطنة والشكر وعلى من تبعهم الى يوم الكرامة والقهر..
ايها العالم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تمر على البشرية سنين ودهور وتتغير من سيرتهم واستقامتهم معالم وأمور، وإن من سنن الله تعالى الثابتة واقداره النافذة أنه كان سبحانه إذا انحرف البشر عن رشدهم وتبعوا غيهم كان يرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الكتب ويبين لهم عاقبة أمرهم إن هم اتبعوا النهج القويم افلحوا وإن انحرفوا عنه _ عياذا بالله _ حلت عليهم عقوبته واحاط بهم بطشه ولا مخلص لهم من ذلك الا بالإنابة اليه جل في علاه..
وقد رأينا فبما مضى من الأمم أن الله تعالى بعث عبده موسى عليه السلام بمعجزة العصا واليد البيضاء الى من تفننوا في السحر والإغواء وسحروا أعين واسترهبوهم وقتلوهم واذلوهم وزعموا أن لهم الكبرياء وأنهم الآلهة من دون الله استغفر الله..
وهكذا مع نبينا عيسى عليه السلام حيث بعثه الله سبحانه وتعالى الى قوم برعوا في الطب فما كانت معجزة رسولهم الا أن يحيي الموتى بإذن الله ويبرئ الأكمه والابرص بإذن الله تعالى
وهكذا يتكرر المشهد مع رسولنا الكريم خاتم النبيين وسيد المرسلين عندما يبعثه الله تعالى بمعجزة البيان والفصاحة واللسان ليرشد قوما أعماهم الشرك والكفران الذين عبدوا الحجارة والأصنام من دون الله تعالى ..
فيسخر فصاحتهم وعلمهم لمعرفة الحق والإذعان للملك الديان..
فكانت هذه هي الرسالة الخاتمة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، فكان الواجب على البشرية حسن الاتباع.
الا أنه في كل مرة يظهر انحراف في البشرية؛ إما انحراف عقدي أو سلوكي أو اخلاقي او قيمي فإن الرسالة تكون بأن ينبههم بآية كونية أو مصيبة من واقع حياة الناس قال سبحانه:(وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ)
[سورة الشورى 30]
وقال جل وعلا :(۞ وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَیۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَاۤبَّةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا لَا یُوقِنُونَ وَیَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةࣲ فَوۡجࣰا مِّمَّن یُكَذِّبُ بِـَٔایَـٰتِنَا فَهُمۡ یُوزَعُونَ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔایَـٰتِی وَلَمۡ تُحِیطُوا۟ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَیۡهِم بِمَا ظَلَمُوا۟ فَهُمۡ لَا یَنطِقُونَ أَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِیَسۡكُنُوا۟ فِیهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ)
[سورة النمل 82 – 86]
ولعل في في #كورونا COVID19 صورة من صور هذه الدابة التي تكلم الناس بلسان الحال وليس بلسان المقال انهم كانوا لا يؤمنون!
ومن رحمة الله تعالى بعباده أن ينبههم بأخطائهم ولا يأخذهم بغتة وهذه من الكرامات المحفوظة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك كان لزاما علي الجمبع ان يتدبر في آيات الله تعالى وأقداره..
ونحن نرى في زماننا شيوع فاحشة الاختلاط غير المحمود الذي بسببه تنتهك الأعراض وتمارس فيه أنواع من العهر والزنا _أكرمكم الله_ تحت مسوغ التطور الحضاري والانفتاح وغيرها فانتهكت حرمات الله تعالى علنا كالزنا وشرب الخمر وهذا مما يؤذن بموجة من غضب الجبار سبحانه..
وهذا ما كسبته أيدينا وهذا ما جنته البشرية على نفسها لذلك جاءت عقوبة التباعد الاجتماعي التي تفرض على جميع الأفراد الابتعاد عن بعضهم!!
فهل من معتبر؟
وعندما نستقريء واقعنا نجد هذا الأمر واقعا ملموسا في حياة الناس بل في قنواتهم الفضائية وشاشاتهم التي تتفنن في عرض مفاتن النساء حتى تدع الحليم حذرا خائفاً مما تتجرأ فيه البشرية على حدود الله ومحارمه وكأنما هذه الدنيا ملك أياديهم يتصرفون فيها كما يشاؤون دون الإلتفات الى الله سبحانه خالق الكون ومسيّر حياة العباد!!
وهذا منتهى البطر والأشر وهذا منتهى الظلم الذي يوجب غضب الله.. نسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة.. قال سبحانه (وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا۟ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدࣰا)
[سورة الكهف 59]
وفي البطر قال سبحانه :
(وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِیشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَـٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِیلࣰاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ یَبۡعَثَ فِیۤ أُمِّهَا رَسُولࣰا یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِی ٱلۡقُرَىٰۤ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَـٰلِمُونَ)
[سورة القصص 58 – 59]
وقال تعالى: (وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا)
[سورة الإسراء 58]
كما أن تسلط القوى الظالمة على الشعوب المستضعفة وإرغامها على محاربة ما نزل عليها من الحق يؤذن بالهلاك؛ وما سبق ذكره من قصة فرعون الطاغية اكبر مثال على ذلك.. وهكذا الحال في زماننا.. لنتدبر هذه الآيات من أواخر سورة غافر قوله سبحانه :
(أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوۤا۟ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةࣰ وَءَاثَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ فَمَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ فَلَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَا قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِینَ فَلَمۡ یَكُ یَنفَعُهُمۡ إِیمَـٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ فِی عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ)
[سورة غافر 82 – 85]
ومن خلال هذا المنبر ادعوا جميع الناس إلى التوبة النصوح الى تعالى وأدعوا كل من له يد في إحقاق الحق وإبطال الباطل أن يعمل على ذلك لأنه لا قوة تعلو فوق قوة الله سبحانه ولا قدرة تدفع اقداره جل في علاه ولا مخلّص للإنسانية من هذه الجوائح إلا بتلمّس ما يلزمنا تجاه الخالق سبحانه في معاشنا ومعادنا وعباداتنا وتعاملاتنا وفي عهودنا ومواثيقنا وفي القبول أو الرفض لأحكام الله فإن الأرض مملكة الله فهو يصرف أمره فيها كما يشاء ليصلح شأن عباده ويصلح الكون من حولهم كي تبقى الحياة مستمرة “الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”
(فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡیَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَاۤ إِیمَـٰنُهَاۤ إِلَّا قَوۡمَ یُونُسَ لَمَّاۤ ءَامَنُوا۟ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَتَّعۡنَـٰهُمۡ إِلَىٰ حِینࣲ)
[سورة يونس 98]
اللهم اهدنا في من هديت وعافنا في من عافيت وتولنا في من توليت واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت فإنه لا ملجأ لنا ولا منجى منك إلا إليك تباركت ربنا وتعاليت لك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أعطيت نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك..