قلم كبريتي في زمن بركاني
قلم كبريتي في زمن بركاني
علي بن مبارك اليعربي
أوجد الله الإنسان واستخلفه في الأرض وسخر له كل ما فيها لخدمته، و شمله برعايته وكريم عنايته ابتداء من خلقه في أحسن تقويم ، حيث ذكر جل في علاه ذلك في مواضع قرآنية عديدة و قد اختصه سبحانه بحسن التركيب و التقويم والتعديل بما أوجد فيه من الحواس والجوارح التي وهبها الله له، وزوده بها. لتكون سبباً من أسباب تحمل المسؤولية.
فالألسن والعيون والآذان والأيدي وغير ذلك مما كملنا الله به تلك أدوات الفكر البشري تساعده في التحسين والتقويم، فأساليب التعديل و طرق الإصلاح كثيرة و مجالاتها واسعة خاصة في عصر النهضة الحديثة وظهور الصحف والمجلات الورقية منها و الإلكترونية حيث أصبح للقلم صولات وجولات في عالمنا الحديث وبدأت الدول تعتمد على أصحاب الأقلام مثلما كانت القبائل قديما تعتمد على الشعراء في الحروب والمناوشات للتقليل من قيمة الخصوم. وفي عصرنا الحاضر أصبح القلم كبريتيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فبه تقرع طبول الحرب ويهتز كيان الدول وتهوي و ترتفع بورصات عالمية وتسعد وتشقى مجتمعات.
نعم عزيزي، قلم كبريتي لا يصلح إلا للهدم لا البناء لذلك يجب علينا كوننا كتابا وقراء أن نكون حذرين عند التعامل مع القلم ومداده وصاحبه وكتابه، وأن نمعن التفكير عند الكتابة أوالقراءة.
همسة حب صادقة لك مني يا من تمسك بالقلم: أنت قوي بقلمك، وكل كلمة تخطها محسوبة لك أو عليك، لذلك اسأل نفسك قبل أن تبدأ بالكتابة عددا من الأسئلة أهمها: *لماذا أكتب؟* *ولمن أكتب؟* *وكيف أكتب؟* و بصيغة أخرى *ما الهدف؟* من الكتابة ؟ و *من المستهدف؟* و *ما الصيغة المناسبة للكتابة؟* فإذا استطعت عزيزي الكاتب الفطن الإجابة على تلك التساؤلات بكل شفافية و بعيدا عن الشخصنة عند الشروع في الكتابة فسوف تجد كل حرف وكل كلمة وكل جملة تخطها ذات دلالة ومعنى وهدف،
ونالت رضا واستحسان المستهدف منها و تدبرها وفقه مضمونها، وطبق أفكارها بشكل يضمن الوصول إلى تحسين الأداء وتجويد العمل فيما أشرت إليه في مقالك، ولن يتحقق لك ذلك إلا إذا كانت رؤيتك للقضية رؤية فاحصة ناقدة هدفها التصحيح وزيادة الفاعلية و الإنتاجية. كما يجب عليك عزيزي أن تتبع الأسلوب المناسب الذي يستوعبه المستهدف لا غيره، و هذا يؤكد حسن نيتك، و رغبتك في الإصلاح ، أما إذا لامس قلمك رجل الشارع وابتعدت عن المشرع فسيصبح قلمك كبريتيا لا محالة يؤجج القضية ، ويشعل نار الفتنة ولن تصل للإصلاح بقدر وصولك لتضييق دائرة الأفكار وإزهاق روح المبادرة والإبقاء على ما كانت عليه.
وأنت أيها القارئ البارع، اقرأ بتدبر وكن حذقا واعيا لما تقرأ، ولا تفسر الأمور كما تشتهي نفسك، وتأكد من أن الأمر سيصل إلى صاحب الأمر فكما يقال: *رحلة المعنى من بطن الشاعر إلى بطن القارئ* لذلك اجعل تفسيرك منطقيا كما ينبغي و استقِ من مداد القلم أنظفه و اروِ ظمأك بحسن الظن فلا تزايد على ما قرأت و لا تقلل من قدرة تأثير ما كتب، وكن صبورا حليما موقنا بأن للقلم تأثير السحر على صاحب المعنى، وأن منطق القول دليل المقاصد، فلا تفقد صبرك في التغيير مادام الإخلاص فيه حاضرا، فحديث أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) فالمقصود من هجرته في قول رسول البشرية جمعاء هو المقصد و المبتغى وليس السفر نصا .فهكذا شأن صاحب القلم ، وكذا القارئ.
فالحاذق منا من أسعد نفسه و غيره وأصلح ذات البين، و سعى إلى تهدئة النفوس وتنقيتها من الضغائن والأحقاد، ونصح ولم يفضح، وقال ولم يفصح ، وأوضح لمن أفلح.
أما العابث فينا من امتطى قلمه و كانت هجرته به لشهرة يبتغيها ، أو سطوة يرجوها، أو مال يريد كسبه، فينتقد لينقض، ويصطاد في الماء العكر و يتلون مداد قلمه بلون الفتنة و الجشع ، و يصرح ولا يلمح ، و يفضح ولا ينصح، ويسعى دائما إلى الفتنة وإشعال نار الحقد والضغينة في زمن ملتهب كبركان يغلي على وشك الانفجار، فذلك هو القلم الكبريتي. فاحرص عزيزي على تجنب الكتابة به أو القراءة عنه.