استعجال النتائج
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
عند البدء بأي مشروع جديد أو فكرة جديدة فإن أصعب اللحظات هي لحظة البداية، وهذا أمر شائع وموجود عند الجميع، عند المهندس عندما يبدأ بمشروعه، وعند المؤلف عندما يبدأ بتأليف كتابه، وعند المعلم عندما يبدأ أولى خطوات مشواره المهني، والسر في هذا يتمحور في أن الخطوات الأولى تكون دائماً مخفية وغير ظاهرة للعيان، ولا يمكن قياسها بمقياس النجاح. فالمزارع عندما يبدأ بحرث الأرض فهذا ليس إنجازاً، فالأيام الأولى في مشروعك ليست مقياساً لنجاحك، والسطور الأولى في الرواية ليست إبداعاً. فالطفل وهو يخطو الخطوات الأولى يحس بالملل ويتعب ويجلس ليرتاح، لكن بما لدينا من مخزون فطري ندرك بأن هذه العثرات هي التي ستجعله يهرول فيما بعد.
العين لا ترى إلا الشيء الكبير، والشيء الكبير لا يتأتى إلا بالكفاح والعمل والصبر الطويل، وهذا الأخير تنتجه الهمم العالية، ففي البداية لابد من الصبر وبذل الجهد الكبير والتريث وعدم الاستعجال، وذلك لتحقيق نتائج كبيرة، وهذا يذكرني بالصاروخ الذي يحرق في مرحلة الإقلاع المخزون الأكبر من طاقته قبل أن يغادر غلافنا الجوي، كذلك سيارتك إذا ما أحببت قيادتها صباحاً فإنها تحتاج أن تنتظر عليها قليلاً قبل أن تكون جاهزة للانطلاق. وأنت -كذلك عزيزي- متخذ القرار ابذل قصارى جهدك في بدايات هدفك وعملك ومشروعك، واحرق طاقتك وانتظر النتائج.
إنها الخطوة الأولى في كل شيء،، صغيرة،، بسيطة،، لكنها في قمة الأهمية. بقدر ما تكون البدايات صعبة، تكون الرحلة ملهمة والنهاية عظيمة، والبداية ليست أصعب المراحل بل أكثرها حساسية وخطورة، فالإحصائيات تقول إن ٥٠٪ من المشاريع تفشل في سنتها الأولى، وهنا تأتي قدرة الناجحين على تحمل الفشل ثم النهوض من جديد والوصول إلى الهدف المطلوب، وبالتأكيد فإن نقطة الوصول إلى الهدف المقصود ليست أهم ما في هذه الرحلة، فالرحلة طويلة، والأهم هو المسار الذي تأخذه خلالها، متنقلاً بين فشل ونجاح؛ لذا فإنه يجب علينا أن نثبت أعيننا على الغاية الكبرى التي نسير إليها كي نستمد منها الطاقة والحماس، ولا نستضغر أولى الخطوات بل يجب علينا أن ننميها ونقويها بخطوات أخرى كي ترسخ وتثبت.
وأستدل هنا بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي تجد من خلالها أن سيد البشرية كان يمتلك الرؤية الواضحة لمستقبل اتباعه، فعن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فكان آخر ما ورد بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم (……. ولكنكم تستعجلون) الحديث بصحيح البخاري، نعم إنه استعجال النتائج، إنه مرض وآفة البشر من فجر التاريخ وحتى اليوم، لا تستعجل نتائجك بل ركز على البداية فهي أهم جزء في العمل، وربما هي من يحدد نجاح العمل واستمراريته، فلا تستصغر خطوتك الأولى، وتعامل معها بصبر وحنكه، وكن على يقين بأن الخطوة الأولى على سهولتها وبساطتها لا بديل عنها.
استعجال النتائج أمرٌ طبيعيّ وخاصة في مرحلة البدايات، لكن يجب أن يقابل ذلك تقاربٌ مع الواقع ولو بالحد الأدنى، إذ إن نوعية المجهود عنصرٌ أساسيّ في صناعة النجاح وليس حجم المجهود فقط، فالكثيرون يخرجون من الباب الخلفي للتجربة محبطين من عدم وجود أية مؤشراتٍ إيجابية. إن مراكمة التجارب وتتاليها في فترة زمنية معينة من ضروريات بناء هيكل التجربة الذي يكتسب النضج مع كل خطوة.
وأختم بمقولة ستيف جوبز “ابدأ صغيراً، فكر كبيراً، لا تقلق على أشياء كثيرة في نفس الوقت إبدا بالأشياء البسيطة أولا ثم تقدم إلى الأشياء الأكثر تعقيداً”