عن الرواية: رواية #عماني_في_جيش_موسوليني #ماجد_شيخان
أحمد الحراصي
4/6
كان البرتينو عميلا في الاستخبارات الإيطالية وزميلته نودا التي تعاونه في أعماله.. خلف كثيرا ما كان البرتينو يلح عليه أن ينضم معهم لكنه سرعان ما يرفض هذا، لكن هذا الأخير علم خلف الكثير فقد أخذه إلى السينما.. تلك الكلمة الغامضة في ذهن خلف لكنها سرعان ما أعجبته عندما دخل تلك القاعة الكبيرة ليشاهد أول مشاهدة له في حياته أمام شاشة كبيرة قد وضعت أمامه ولعله يكون أول رجل من رجال الجبال يشاهد ويعرف السينما في ذلك الوقت تسنى لخلف أن يعرف الكثير عن ما غاب عن رفاقه وأهله في عمان وبالأخص الغيل القرية التي كانت ولازالت تأخذ منحنى الحنين في قلبه لكنه أتى لشيء وسيعود للغيل يوما ما.
يفاجئه يوما يعقوب بالرحيل إلى حيث بلاده الأم ليبيا لابد من الرحيل أن الأمر تأزم هناك والجميع يحتاجني ثم يسأله عن حال زوجته إيمان والنوخذة وابنه أحمد .. يا صاحبي زوجتك إيمان توفت وابنك مع جده الآن.. ماذا؟؟؟ كانت تلك آخر صفعة من يعقوب قبل رحيله مكث حيث يمكث يعقوب كانت زوجة يعقوب تأتي إليه بالطعام وهو مهموم القلب إلى أن حان موعد رحيلهم وتوديعه.
ما الذي سيبقى في خلف غير شحنة ألم اعتصرت قلبه لكنه تذكر صديقه البرتينو ذهب إلى مقر السفارة الإيطالية حيث يمكث صديقه ونودا رأى الحارس وأمره أن ينادي له البرتينو بأن خلف موجودا ويريد مقابلتك… كان خلف يبكي في تلك اللحظات مخلفا وراءه دموعا لا يمكن أن تنسى ماذا حل بك يا خلف توفت إيمان يا البرتينو ماذا ولكن قلت لي بأنك تنتظر مولودا لم يكن مولودا يا البرتينو كانت الحمى الصفراء التي انتشرت في القرية آنذاك..
أريد عملا هل تجد لي عملا معكم؟ لعله سينسيني الألم الذي بداخلي.
وفعلا كان لخلف ما أراد عمل عميلا في المخابرات الإيطالية تدرب على عمل المخابرات وفهم اللغة الإيطالية قراءة وكتابة والغريب في الأمر أنه لم يكن يتقن لغته الأم العربية قراءة وكتابة وهذا ما جعله في دوامة ان يكون غريبا وأن يكون شخصا محتجزا في حين أراد أن يكتب لابنه أحمد رسالة لكن لغته العربية لا تسعفه فتمنى لو أن ابنه يتقن الإيطالية حينها.
مرت الأيام وخلف في محل ثقة المخابرات الإيطالية لدرجة أن الجنرال زلميرا عينه ذات يوم أن يكون جاسوسا لصديقه البرتينو لأنه يشك بأن نودا أحد أفراد المخابرات البريطانية ولكنها بدأت وكأنها توقفت في حين أن الجنرال أراد من خلف التأكد أن كانت لازالت تشيء بهم للمخابرات أم أنها توقفت تماما…
رفض خلف في البداية لكنه فهم أن الأمر في الأخير واقع عليه كونه أقرب شخص لهما ويستطيع أن يكشف ما بينهما خصوصا أن الجنرال لا يريد أن يفقد شخصا مهما مثل البرتينو.
وجه الجنرال زلميرا سؤالا لخلف قال له ألن تشدك رابطة الدم العربية بالانقلاب ضدنا أن تطلب الأمر يوما ذلك؟
حقيقة أنا لم انضم إلى جهاز المخابرات بدافع شبيه بدوافع الآخرين أنت تعرفني جيدا قبل أن أكون هنا.. أنا جئت لهنا لرأي رأيته وإن كان غير ذلك لم أحجم بالمسألة استطيع أن أرحل كما جئت وسأترك أثرا طيبا ولن انقلب ضدكم.
أخذ خلف يتابع بصمت ما يريد أن يعرفه الجنرال زلميرا عن نودا لكنه لم يستطع أن يتوصل إلى خيطا يمكن أن يوصله إلى مبتغاه.
إلى أن تأتي ليلة ليست كغيرها من الليالي التي تهيب فيها المخابرات الإيطالية بأخذ أعلى درجات الحيطة والحذر التي جعلت من البرتينو يقود بسرعة جنونية نحو مقر القيادة ولكن لم تكن سوى مفاجأة احتفال من القادة والضباط أعلنها الجنرال زلميرا ليلة احتفال نظير تفجيرات ميناء هاربر الأمريكي بصواريخ يابانية وهو يملي نفسه ونفس تابعيه بأنه انتصر ولكن هيهات أن النصر لا يأتي بهذه السهولة.. الاحتفال ذلك اليوم كما يصفه خلف كان ليس في وقته وأن الأمر لم ينتهي بعد فكيف تسمح لنفسك أن تحتفل معهم وأنت تعرف بأن هناك الكثير بقي لم يتم انهائه بعد.. لكن هذا ليس في فكر زلميرا الغائب عن الوعي وفي يده زجاجة النبيذ حيث الجميع كان يشرب على أنغام الموسيقى الهادئة ولم يستوقفهم إلا المطر الذي أمطر ذلك اليوم وبغزارة وكأنه جاء لينظف قذارتهم التي لطخوا المكان بها.
نام خلف ليلته تلك مستيقظا عند منتصف الليل يشعر بدوار أغمي عليه من ساعتها ولم يجد نفسه إلى أن يرى الناس حوله يمشون وهو لا يستطيع الحراك ينظر إلى لوحة تقويم التاريخ تتغير من يوم إلى آخر ولم يدري أنه كان في المستشفى إلا بعد شهر لقد كان في غيبوبة يشعر بأذنه طنينا يرى الجميع ولا يقوى على الحراك.
بعد هذا الشهر الكامل الذي قضاه يلتقي بالجنرال زلميرا مجددا وهو طريح الفراش يسنده على كرسي كان قريبا منه.. أخبرني ماذا حدث لي.. الجنرال نفسه كان مندهشا وهو يجيب لقد تم تسميمك يا خلف… هل أعطاك أحد ما شيئا في تلك الليلة أقصد ليلة الاحتفال لا أذكر ولكن نعم فقد أعطتني نودا بعض الكعك هل هي الفاعلة إذا؟ لا أعتقد ذلك ف نودا نفسها أيضا قد سممت وهي الآن طريحة الفراش.
أنا الآن أتيت لأخبرك على نقيض ما تلقيته من الأوامر أريدك والجميع أن تنجو بأنفسكم فالحرب باتت ليست من صالحنا ربما خسرناها أرحل يا خلف فأنت حر الآن فقط انجو بنفسك إن استطعت خذ سلاحا وقبل أن تغادر يتوجب عليك أن تخبر ألبرتينو ما كان بيننا عن نودا.
يذهب زلميرا ويترك خلف في ذهول وكيف كانت حياته في خطر ولماذا قد يتم تسميمه ومن قد يفعل هذا؟؟… يتحدث مع الطبيب وهو قادم لإخراجه من المستشفى يسأله عن حالته.. حالتك مستقرة اعتقد أن مناعتك أصبحت ضعيفة لأن السم قد سرى في دمك أما عن التهاب أذنيك اعتقد بأنك ستفقد السمع في وقت مبكر… فجأة يأتي صديقه العزيز البرتينو لقد افتقدتك يا رجل وبعد أن يسأله عن حاله وحال نودا وعن ما حل بالجبهات يخبره عن نودا.. أعرف ذلك يا خلف فهي أخبرتني بنفسها وأنها قد توقفت منذ فترة وأن الأمور على حد مجراها تطيب.
غادر البرتينو ذلك الفتى الذي التقى به في مطرح وهو في الثامنة سيغادر الآن.. إنه الرجل الذي لا يوجد مثيل له في الوقت الحالي وأن من مثله نادرون هكذا كان يقول عنه زلميرا.. يغادر ولكن للأبد لا أعتقد أننا سنلتقي مجددا يا صاحبي وداعاً تاركا خلفه ساعة فضية احتفظ بها يا خلف ربما هي آخر ذكرياتنا يا صديقي… الوداع وما أقسى الوداع إنها اللحظة التي استوقفتني وأنا اقرأ الرواية حيث يتركك الشخص مجبرا وأنت تتركه مجبرا في اللحظة نفسها وتتمنى له فقط أن ينجو بنفسه ليس إلا.. تذهب إلى الأبد ولا تدير وجهك للوراء خوفا من الوقوع في فخ المشاعر!!.
إن الوصول إلى ميناء بربرة هو نجاة الإيطاليين وكسب المعركة لذا فالجميع كان يقاتل للوصول للميناء لكن الأمر بات صعبا نظرا للقصف الجوي الشديد الذي جعلهم لا يستطيعون التقدم… كان خلف من ضمن هؤلاء الجنود الإيطاليين ناهيك عن محصلة القتلى والجرحى التي لا تعد ولا تحصى.. كل يوم يسقط الآف القتلى حيث الهجوم كان يتجه ناحية القرية التي كان يقطن فيها العم عثمان أبو محمد… محمد الذي توفى جراء القصف المستمر واخته حسينة.. الجميع كان لا يطيق تواجد الجنود الإيطاليين ولا أي منهم ما يريدونه هو أن يتركوهم وشأنهم..انتشال الجثث قبل مجيء الالآت العسكرية كان أمرا لابد منه ذلك اليوم الذي قتل فيه محمد كانت الأخت حسينة تبكي لموته… خلف أراد أن يواري الجثث لكن تم منعه أنها أوامر يا أختاه فلتذهب الأوامر للجحيم نعم فلتذهب للجحيم! يبدو أنه أحد قرارات خلف في التخلي عن الجيش الإيطالي ما لي ولهم الآن هم يبحثون عن النجاة وأنا ابحث معهم؟؟ لا أنسى انني عربي وعماني في الوقت نفسه سألتجئ للقرية حيث العم عثمان في البداية رفضوا استقباله ولكن عمانيته هي من استقبلته… ومن لا يعرف العماني هناك في الصومال ومدغشقر وزنجبار وكل نواحي جنوب شرقي أفريقيا.. العماني قصة زمان ولازالت حتى الآن.. يبدو أن سمعة العماني هي من أنقذت خلف آنذاك وإلا كيف كان سينجو؟!!