الرحيل بهدوء
كتبه / خلفان بن علي بن خميس الرواحي
رحل والدي منذ ستة عشر عاما في 2004 كان رحيله مع ولادة ولدي الثالث لم أحظى بحضور لحظاته الأخيرة مبدأ الحياة كان حاضرا رحيل وحضور والرضا بالحالين.. أمي ( سالمة) كانت الملاذ الذي نجتمع حوله مع إخوتي.
الجميل في الوالدة أنها ذات طبيعة هادئة قد لا تسمع لها صوتا في البيت إلا نادرا، لا أذكر أنها حملت قشة حتى تضربني ما بالك بعصا.. حياتها مع أبي كانت حياة معاناة وتعب تزوجته صغيرة السن بعد تجربتين خاضهما، وكان دائما أبي يذكر قصة زواجه وشرط عمة الوالدة ( لطيفة) زوجة والدها بأن تحمل في زفتها على جمل.. طبعا كان ذلك نوعا من الرفاهية وكأنها في وقتنا الحالي سيارة دفع رباعي..
فتاة صغيرة لا تعرف الكثير عن الحياة الزوجية وقد تكون لم تصل بعد لتكون امرأة تتحمل الحياة الزوجية أبي لم يكن لها زوجا وإنما كان لها أبا فقد رباها وتعلمت منه الحياة.. تلك الفتاة عاشت شظف الحياة وأنجبت عددا من الأبناء قد يكون النصف لم يطول بهم العمر ماتوا صغارا لمرض أو سوء رعاية وعناية وقد يكون العوز والحاجة والمرحلة التي عاشوا فيها .
كان والدي يتركها بالسنوات وهو مسافر إلى البحرين حاله كبقية أهل عمان ليوفر لقمة العيش لكومة اللحم الذي عنده.. والوالدة مع كل هذا صابرة وتعمل كغيرها من نساء القرى لتساعد في توفير ولو الشيء القليل من ضروريات الحياة .. مع فقد والدي لنور بصره تزايدت المعاناة ولا بد من وجود الحل هذا مع بداية النهضة الحديثة ومع عودة العمانيين لعمان كان ابنه الأكبر الذي تعلم مبادئ القراءة والكتابة ومازال صغيرا لا يقوى على تحمل المسؤولية ولكن كان لزما عليه أن يتحملها مع الظروف المحيطة به فبدأ العمل ليقف مع والده جنبا إلى جنب يربي إخوته ومعهم أسرته فيما بعد.. أمي مع كل هذا كانت صابرة وعندما كبرنا وبدأنا نميز لم نسمعها تتأفف من الحياة أو الوضع خلاف بنات الجيل الحالي. كل الظروف التي مررنا بها.
لا أذكر بأن أمي اشتكت ولا مرة ذكر والدي بأن أمنا زعلت وذهبت بيت أمها كانت حياتهما في أنس وسعادة لم يتزوجا عن حب وقصة غرام ولم يختارها هو أنما فرضت عليه مكان قريبتها التي توفت خلال عملية الوضع لحب أبيها لوالدي لتوسمه فيه صفات الرجل القادر على اسعاد ابنته مع كل الظروف .
ليتنا نستفيد من هذا الدرس فكما نبحث عن البنت المناسبة للأبناء فليس من العيب أن نختار زوجا لبناتنا دون أن يتقدم هو لتكون منا المبادرة أولئك الذين تزوجوا بالطرق التقليدية يستمرون لسنوات مع بعضهم ولا تجد للمشاكل حضور .وعندما رحلت عن الدنيا كان رحيلها سلس هين بدون تعقيد أو مقدمات وكأنها تعطينا درسا.
الحياة لا تحتاج منا الكثير من الهم والنكد حتى نستمتع بها خذ منها الجميل..
قبل يومين من وفاتها كنا في زيارة لها في بيت أخي (حمود) الذي من النادر جدا تفارقه لا تحس بجمال الحياة إلا هناك بقربه ومع أولاده وشريكة رحلتها رغم ما يحدث بين الوالدة وزوجة أخي من خلاف أحيانا ولكن سريعا ما يذوب وتعود الأمور لطبيعتها ذلك الخلاف لا يصل لرفع الأصوات وإنما اختلاف وجهات النظر بين قطبي البيت .
نحن الحمد لله كل واحد في بيته ونفرح عندما تأتي الوالدة عندنا ولكن من الصعب أن تقضي فترة معنا وكانت تأتي بحجج لتعود لكنف ابنها الأكبر.. أمكم عندها موعد يوم الأربعاء القادم ٢٠٢٠/٦/٣ م بمستشفى إزكي كانت كلمات حمود لنا والمطلوب أحد يرافقها ..
الأمر هين الموعد مجرد فحوصات مع أن الوالدة في العشر الأواخر من رمضان ارتفع لديها السكري وزارت المركز الصحي بالقرية وحولت لمستشفى الولاية والموعد فقط لمتابعة الحالة..
ولكن تحتاج من يساعدها في الحركة لأنها تأثرت بما مر عليها في العشر الأواخر..
صباح الأربعاء حسب الاتفاق ذهبت حتى نصطحب الوالدة للمستشفى الساعة السادسة والنصف كانت هناك الأخت قامت بالواجب وغيرت لها الملابس وطيبتها وحان وقت خروجها للسيارة.. كانت زاهية بتلك الملابس وتفوح منها رائحة طيبة عطور مع بخور تحركت في حركة بسيطة ولكنها قادرة على المشي كانت مثل الطفل الذي يحاول أن يقف على قدميه ولا يستطيع فتأتي أمه أو أبوه لمساعدته مسكنا بها أنا وابن الأخ وبدأت في الحركة مع مجموعة من التعليقات والضحك العفوي وكما يقال ليس في الخاطر شيء .
اجتازت المرحلة الأولى الخروج من غرفتها وكنا نرفع من معنوياتها للمواصلة في قطع المسافة التي نراها بسيطة مجرد خطوات ولكن هي تجدها مسافة طويلة بحاجة لبذل مجهود مضاعف مع التشجيع استطاعت أن تخرج من المبرز ( الصالة ) وتتحرك لتصل لهدفها السيارة وما زلنا نرمي التعليقات بشيء من الابتسامات وقبل السيارة بقليل تقول لي : أحس بوجع في الظهر عند الرقبة نقول لها : تراك دوم ناكسة رأسك رفعيه ورفعي ظهرك لما تمشي .. تحاول تنفيذ ما طلبنا ولكن تعلن الاستسلام ما قادرة أريد أن ارتاح جلست على الأرض ولفترة وطلبنا منها المواصلة ولكن قدميها لما تساعدها هذه المرة حاولنا أن تقف كما كانت لكن دون فائدة هنا آثرنا حملها للسيارة .. حملناها وأدخلناها بالسيارة وكانت ليس التي خرجت من الغرفة وقطعت تلك المسافة مجرد مجموعة امرأة في ثوب مزركش لا غير نسمع آهاتها ونكلمها وترد بشيء من الصعوبة حتى خفتت أصواتها وحسبناها ترتاح من التعب ..
تمشي السيارة بنا ونحن نتحدث في أمور الحياة ولا نعلم أنها كانت تصارع الموت وفي سكراته الأخيرة .
بالمستشفى طلبوا منا حملها إلى الطوارئ من السيارة على النقالة مجموعة من عمليات الإنعاش ولكن دون فائدة الأعين تترقب ونسأل ولكن لا أحد يتكلم كل ما يقال لنا : ننتظر الطبيب .. جاء الطبيب بثوبه الأبيض ودخل وبدأ في الفحص ومعاودة المحاولات ولكن كانت روحها قد فارقت جسدها . الطبيب : الوالدة في ذمة الله تعالى قبل أن تصل إلى المستشفى .. ماتت أمي بالسيارة هناك كان أجلها ليس في البيت الذي عاشت فيه ولا في المستشفى ماتت محمولة على ذات أربع ..
إنا لله وإنا إليه راجعون .. قد أكون من الذي يتحملون مثل هذه المواقف بعكس أخي حمود الذي تأثر وسقط أرضا وأدخل لعمل الفحوصات وهناك صيحات أختي وابنة أخي تتعالى ولكن أمر الله مطاع دخلت عليها وقد غطت بذلك الثوب الأبيض وكشفت عن وجهها وأطبقت قبلة الوداع على رأسها كانت لحظة وداع لفراق قد لا يكون لقاء بعده بالدنيا نسأل الله تعالى أن يجمعنا بها بالجنة ..
رحلت أمي وقد نكون قصرنا في حقوقها وهي حية ربما لم تجد البر الذي كان يجب أن نقدمه لها في حياتها خلفت أربعة أبناء ونجمة واحدة تلك النجمة أختنا لتكون أمنا ونواصل البر بها بعد موتها مصداقا للحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.