تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

أنت قادر فيما قدر لك

بقلم / علي بن مبارك اليعربي
الأخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل

إن الله عز وجل خلق كل ما في هذا الكون وأحكم قدرته عليه ووضع لتسييره قانونا سماويا تضمن كل ما من شأنه المحافظة على مخلوقاته، كما أنه جلت قدرته المتحكم بهذا الكون وبيده ملكوت كل شيء والمطلع على أسراره مصداقا لقوله تعالى: “الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون” الآيات (٧-٩) سورة السجدة.

وإنه تعالى إذا قدر شيئا على أحد من خلقه فلا راد لقدره كما في قوله تعالى “سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا” (الأحزاب، آية 38).
وهذا يؤكد لنا أيضا وجوب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره منه سبحانه. ومع ذلك فإن خالق البشرية وضع مع هذا القدر تجليات توصلنا إلى ذاك القدر المحتوم، وجاءت هذه الحتمية نتيجة سلوكنا في هذه الحياة سواء كان ذلك خيرا أم شرا، وهذا نتاج ما تخطه أيدينا. فمن هذا المفهوم نضع بين القدر والمقادير التي وضعها الله عز وجل معايير تحليلية في ميزان أعمالنا. وقد يسأل سائل هل هذه المقادير نصنعها نحن أم هي قدر محتوم لا مفر منه؟ وكثير من الخلافات والنقاشات دارت حول ذلك. هل الإنسان قادر على تغيير قدره؟ وبصيغة أخرى: هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهذا سؤال دارت حوله كثير من الأقاويل طوال فترة نمو الفكر البشري، وقد عزز المنهج الإلهي الفكرة القائلة بأن الإنسان منا مخير ومسير في قوله تعالى :(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) سورة القصص ﴿٨٣﴾

فقد أقرت اختيارية الإنسان لطريقين، فطريق الخير متاح وطريق الشر متاح، من أراد سلكه. وإن لم يكن الفرد منا مخيرا فيما يقوم به من أفعال وأقوال، فلم أقر الله عز وجل الحساب يوم القيامة؟! في قوله تعالى:-(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران (30). وقد يرغب بعضنا تبرير ما يقع فيه من أخطاء ويسقطه على القدر فيزداد في فشله وحماقاته ويزداد جهلا حينما يستخدم قاموس لغة الفاشلين ويسمي ما وقع فيه بالحظ.

منذ بلوغنا مرحلة التمييز خضنا غمار هذه الحياة تعترينا صعوبات وتحيط بنا عوامل نؤثر ونتأثر بها وقد يصعب علينا مواجهتها أحيانا ولكن هذا لا يعني أن نعطل إرادتنا ونجعل من هذه الظروف مانعة عن فعل ما نرغب فيه ولا تجبرنا تلك على اختيار شيء على حساب آخر. وإيمان الفرد بالقضاء والقدر لا يعني أن نتساهل في استعمال حجة القدر لنبرر بها الأخطاء التي نرتكبها ونتمادى فيها أكثر من الابتعاد عنها وتجنبها. فهذه ليست إلا حيلا دفاعية، كما يطلق عليها علماء النفس، نستخدمها لتبرير إخفاقاتنا. أما إرادة الانسان فهي قادرة على إزالة تلك المعوقات.

فقدر الله لا يمنع الإنسان من الجد والاجتهاد والسعي نحو الخير له ولمجتمعه. فإرادة الله ومشيئته خاضعة لقوانين وأنظمة سنها هو جل في علاه لعمارة الكون وبنائه والسعي إلى رقيه وأوكل مهمة ذلك لبني البشر وهي الأمانة التي ذكرها الله في محكم التنزيل بقوله تعالى ( إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) سورة الأحزاب الآية (72)، وكل ذلك في ضوء الإمكانات المتاحة والتي سخرها رب العزة والجلال للإنسان.

فليس عليك عزيزي حينما تقع في المخاطر والأهوال وتحيط بك المصائب أن تدفع بها للأقدار وتنسى أو تتناسى ما اقترفته يداك اتجاه تلك الأقدار. لذلك أقول لك عزيزي أنت قادر فيما قدر لك رغم حتميته لأنه نتاج أفعالك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights