قطف الثمرة الأولى – كيف تستمتع بعلاقتك مع ابنك المراهق؟
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
هل جربتَ أن تزرع حبوب العدس في صحنٍ من البلاستيك عندما كنتَ صغيراً؟ أتذكُر حالة الحماس والترقّب التي كنت فيها وأنت تنتظر بفارغ الصبر لتراها تنبت وتكبر وتزدهر شيئاً فشيئاً؟ ويرادوك حينها شعور بالفخر بما أنجزته. فعادةً ما نذكر فترة المراهقة بشيء من التخوّف والتململ مما قد نواجهه من أبنائنا خلالها، إلا أنها الفترة التي ستبدأ خلالها برؤية بعض ما زرعته في طفلك من توجيهات وأخلاقيات وقيَم خلال المراحل السابقة، فستراه حينها بدأ يتخذ قراراته، ويكتشف العالم، وبدأت تظهر ملامح شخصيته.
وقد يكون من غير الموضوعيّ أن نتحدث عن المراهقة دون أن نذكر حالة العناد، والغرفة المقلوبة رأساً على عقب، أو حالات الانطواء المفاجئة التي نراها لدى أبنائنا خلالها. إلا أنها -مع ذلك- مرحلة تستحق أن تعاش بمتعة وحب، ويقع على عاتق الوالدين خلالها مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤوليتهما خلال طفولته، لأن المراهقين يمرون بتغيرات هرمونية وفزيولوجية تجعلها أكثر حساسية، وحدّة في الطباع في بعض الأحيان. ويمكن للوالدين التخفيف من توتر هذه المرحلة من خلال ملاحظة إيجابياته وذكرها له، مثل: “تعجبني تسريحة شعرك الجديدة”، أو “أحب مساعدتك لأصدقائك وقت الحاجة”. ومحاولة اكتشاف أحلامه وطموحاته وتنشيط خياله وتوسيع آفاقه، وتشجيعه على المضيّ قُدماً نحو تحقيقه بكافة السبل الممكنة والمتاحة. ولك كمسؤول أن تحاول مشاركة ابنك المراهق متعة اكتشاف نفسه من خلال الآتي:
-افتح قلبك له، ثم دعه يشعر بحبّك اللامشروط له خلال هذه المرحلة، حتى وإن كنت معترضاً على كثير من تصرفاته، فعليك أن تستمر بمهمة التوجيه والتصحيح دون أن تُشعره بأنه غير مرغوب، واسمح له أن يشاركك التجارب التي يعيشها خلال هذه الفترة، ولا بأس إن أظهرت إعجابك ببعض مغامراته، أو إن ضحكتَ على بعض النكات التي يطلقها -حتى وإن لم تكن كذلك-، ومن الجدير بالذكر أن ما تلاحظه على ابنك خلال فترة المراهقة قد يعبّر عما سيكونه لاحقاً.
ويمكنك مساعدة ابنك المراهق في تدريب عقله في الاتجاه السليم من خلال:
1. شاركه بعض الأنشطة التي يحبها.
2. مارس معه بعض الألعاب التي تنمّي قدرة التركيز مثل “الشطرنج”.
3. لا بأس إن شاركته أحياناً في لعب كرة القدم .
4. حاول أن توجه ميوله لأنشطة مفيدة؛ فإن كان كثير الحركة فوجهه للأنشطة البدنية، وإن كان يميل للعزلة فشجعه على قراءة بعض الكتب والروايات، أو مشاهدة الوثائقيات، وهكذا.
ونذكّر في الختام: مهما رأيت ابنك المراهق يحاول دفعك بعيداً، وتسللتْ لك مشاعر بأنه قد لا يحتاجك الآن، فالحقيقة هي العكس تماماً.
هو يحتاجك كثيراً، بل هو في أحوج ما يكون في القرب منك. وفي أسرع وقت، إلا أنه يحتاجك أن تتقبله وتحتويه، وأن تغير طريقة توجيهاتك وأن تبعدها قدر الإمكان عن أسلوب الأمر، وأن تزيد من النقاشات والحوارات، وتستمع إلى وجهات نظره وآرائه، وأن تحترم احتياجاته ومساحة الخصوصية الإضافية التي يطلبها، وأن تُشعره بأنك تحبّه دائماً.
فإن فعلتَ ذلك وبعقل حكيم وتصرف سليم فقد أفدت، وحققتَ ما هو أغلى بكثير من تحقيق أمور أخرى ككسب المال، فكسب العيال أَولى من كسب المال، ولعلّ المال أو غيره لا يغني عن مجرد رؤية ابنك- المراهق- في حيرة وبُعد وسخط، فلا نفس ترضى ولا قلب يهدى، ولهذا فاستمتع بعلاقتك مع ابنك وصاحبه وشدّ من أزره، وتفهّمه بالشكل الذي كمن تتمنى أن تُفهم فيه وترضى عن نفسك.