فراغك قبل شغلك
عبد الرزاق أحمد الحسيني
يا لها من حكمة عظيمة، نعايشها نحن جميعاً في هذه الأيام، حيث جلسنا في البيوت، بسبب الحجر الصحي الذي تسبّب به وباء كورونا المستجد، الذي عجزت عن مكافحته أعظم منظومات الطبّ العالمية، فكان العلاج الوقائي من هذا الوباء هو التزام البيوت، حرصاً على عدم نشر العدوى.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمساً قبل خمس:
شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك.
غالبة دول العالم فرضت الحجر الصحي على شعوبها, والبقاء في المنازل, ريثما يكتشف الطبّ دواءً لمكافحة هذا الفيروس, فماذا سنفعل في بيوتنا في ظل هذا الفراغ الكبير؟
هذا السؤال موجّه للجميع, كباراً وصغاراً, موظفين وطلاّباً, نساءً ورجالاً.
من مِنّا لم يحدّث نفسه في أوقات العمل أو الدراسة أو في أوقات ازدحام المواعيد والانهماك في ضغوط العمل, وسأل:
متى سيأتي الوقت لأستريح فيه بضعة أيام, لممارسة بعض الهوايات القديمة؟ أو لأقرأ بعض الكتب, أو لأمارس بعض الرياضة؟ أو لاكتساب مهارة أو خبرة في بعض المجالات؟
ها قد حان الوقت, فراغٌ ووقت طويل نقضيه في بيوتنا, فلماذا لا نستغلّه في اكتساب المهارات, أو المطالعة, أو ممارسة بعض الهوايات؟ علينا أن نستغلّ هذا الوقت, فربما يتوصّل الطبّ لعلاج هذا الوباء في أية لحظة – وهذا ما نرجوه – وعندها لن يتوفر لك الوقت المتوفر حالياً
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نصحَنا باستغلال الوقت والصحة والشباب والحياة والغنى
يعني أن هذه الخمس هي أيام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من الزاد فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء أضدادها ولا ينفعه التمني للأعمال بعد التفريط منه والإهمال في زمن الفرصة والفراغ, فإن بعد كل شباب هرماً وبعد كل صحة سقماً وبعد كل غنى فقراً وبعد كل فراغ شغلاً وبعد كل حياة موتاً, فمن فرط في العمل أيام الشباب لم يدركه في أيام الهرم ومن فرط في أوقات الصحة لم يدركه في أوقات السقم ومن فرط في حالة الغنى لن يدركه في حالة الفقر ومن فرط في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل.
أَنعم الله سبحانه وتعالى على عباده بالعديد من النِعَم التي لا تُعد ولا تُحصى؛ فكانت نِعمة الوقت من أعظم النِعم التي يُحسد عليها الإنسان في الدنيا ويسأل عنها سؤالاً عظيماً في الآخرة، ولِشرف الوقت ولِعظيم أهميته فقد أقسم الله سبحانه وتعالى به في القرآن الكريم في مواضع عدّة، واستخدم كل ما يدلّ على الوقت سواءً في القَسَم أو غيره كلفظ السنة، واليوم، والشهر، والحين، والأجل المحتوم، والدهر، والأزل، وأوقات النهار كالصُبح، والمساء، والعصر وغيرها.
الفراغ قبل الانشغال:
يجب على الإنسان أن يستغل وقت فراغه فيما يفيده كفرد, وكأسرة, وكمجتمع, كالقراءة, واكتساب المهارات, خاصةً مع توافر شبكة الانترنت التي جعلت العالم قريةً صغيرة,وأُتيحت لنا مكتبات عالمية تحوي ملايين الكتب والمجلدات بضغطة زر.
الشباب قبل الهرم:
من الواجب على الانسان أن يستغل شبابه وقوته و همّته ونشاطه, فبعض الأنشطة لا يمكن تحصيلها إلا في أيام الشباب, كتلك التي تحتاج إلى بنية جسدية قوية, قبل أن تفوتنا قوة الشباب, ونتحسر علىيها.
الصحة قبل المرض:
تعتبر الصحة هي من نعم الله تعالى على عباده، وهي مكسب وغنيمة لكلّ من استغلها في آداء الأعمال المفيدة, سواء بمساعدة المرضى والعاجزين، أو العمل الشريف وعدم الحاجة إلى الآخرين.
الحياة قبل الموت:
على الانسان استغلال حياته في هذه الأرض في أعمال الخير التي من شأنها تقريبه من الله سبحانه وتعالى, وينتفع بها مجتمعه, قبل أن يموت ويصبح في قبره وحيداً، لا يفيده سوى عمله.
ولا ننسى أن لأهمية الوقت وإدارته تطبيقٌ لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يقسم وقته في بيته إلى ثلاثة أجزا,؛ جزء لربه، وجزء لأهله أي لعائلته، وجزء لنفسه.
إن تنظيم الوقت ومواعيد النوم، وتناول الطعام، والراحة، والتواصل مع الأقارب والأصدقاء يؤدّي إلى الشعور بالراحة والسعادة. تنظيم المهام اليوميّة ومعرفة ما هو الأهمّ فالمهمّ، يؤدّي إلى إنجاز كل ما هو مطلوب منك في وقته دونما تأخير ويقلّل التوتّر والضغط النفسيّ الناتج عن الفوضى في تنظيم الوقت.
تقسيم الوقت حسب جدول محددٍ لكل عمل ساعاته وبذلك تقضي على أوقات الفراغ التي من الممكن أن تكون سبباً في حزنك وكآبتك.
يعدّ الوقت من نعم الله تعالى على الإنسان، لذلك عليه المحافظة عليه بما يعود على الإنسانيّة بالخير والنفع، والعمل الطيب، لذلك حثنا الله تعالى على اغتنامه وبيّن لنا أنّه سرعان ما تمرّ الأوقات التي منحها لنا الله ، وأنّ الأعمار بيده سبحانه.
وفي الحديث، عَنْ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النَّبِيّ قَالَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنِ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِن النّاسِ الصّحة والفَرَاغُ).
فماذا ستفعل يا صديقي بفراغك وصحّتك؟
سأنصحك باكتساب بعض المهارات العلمية التي ستفيدك كثيراً, فتوجد الكثير من المواقع والمنصّات العلمية التي تقدّم مِنَحاً مجانية لدورات على شبكة الانترنت, إضافةً لشهادة إتمام الدورة التي يمكنك إضافتها لسيرتك الذاتية, تتعدد هذه الدورات من حيث الاختصاص والمدّة, ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
منصّة كورسيرا – منصّة فرصة – كورسات مقدّمة من جامعة هارفارد الأمريكية, كورسات مقدّمة من العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية.
إذا كنت ترغب باكتساب المعارف والعلوم, فابدأ بالنيّة والعزم, وادخل إلى الروابط الآمنة التالية, وستجد آلاف الدورات والاختصاصات, بعضها مدعوم باللغة العربية, وبعضها باللغة الانكليزية, يمكنك فتحها من خلال متصفّح Chrome وستمّ ترجمتها إلى اللغة العربية مباشرةً, مدّة الدورات تتراواح بين يوم واحد, وعدة أيام, وعدة أسابيع, وهي جذابة ومفيدة, وستملأ وقت فراغك بشكل ممتع.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3012860368795102&id=123351087746059
https://www.futurelearn.com/courses?filter_category=open&filter_course_type=sponsored&filter_availability=started&all_courses=1
https://m.facebook.com/groups/1730383507253514?view=permalink&id=2426964507595407
طرق تنظيم الوقت:
يُعَرِّفْ المختصّون في التنمية البشرية الوقت بأنّه:
مورد من الموارد المعطاة للانسان. فهو ثروة, ورأسمال, وقيمة كبيرة, يمكن احتسابها من ضمن الموارد, وربّما هو من أهمّ الموارد, وبخاصة في الأعمال التي تعتمد على الإنجاز الوقتي.
وهناك عدّة طرق نستطيع من خلالها إدارة وقتنا بصورة جيّدة، منها:
ضع قائمة بالأولويّات الواجب عملها، وابدأ فوراً بالتنفيذ وتقسيم وقت الفراغ بما يتناسب مع حاجاتك.
قاوم الشعور بالكسل، وابتعد عن الاستلقاء الزائد. استغل وقتك بقراءة الكتب المفيدة أو بالرياضة أو كسب مهارات جديدة أو تعلّم لغات حديثة لترتقي وتدعم سيرتك الذاتية. استيقظ باكراً واستغل يومك من بدايته لتنجز أكبر قدرٍ ممكن من الأعمال، ونَمْ باكراً لتنال قسطك الكافي من الراحة الذي يعينك على قضاء نهارٍ جديد؛ فإدارة الوقت تمنحك سعادةً ورضا وقناعة بكلّ ما هو موجود في هذه الحياة.
فكم منّا داهمته الدقائق أو الساعات أو حتى السنين، ولاحظ أنّ الركب قد فاته ونظر إلى نفسه مندهشاً متعجّباً كيف لم يفطن إلى ضياع الكثير من الوقت بلا فائدة تُذكَرْ
الوقت نعمة عظيمة، ومنة كبيرة، من حافظ على وقته فقد احتاط في أمره، وحافظ على نفسه، ومن أضاع وقته فقد أضاع أيامه وخسر زمانه، ولم يتعظ في نفسه.