ضجيجٌ .. وغلسٌ أسود
شريفة بنت راشد القطيطية
لا تفسّر احتياجي للهواء على أنه غرق، ولا تكدّر صفوَك بالتفكير بي، كانت قد تعدّت الروح مكانتها، وأعدتها إلى الصفْو والتزمت الصمت، لا تكثر الحديث عن: “اهتمّي بنفسك” فإنه يثير الضجيج داخل همسي وأماني، ويكسّر أسلحتي ويجعلها دون نطق، فالضجيج العائم لا مفرّ منه، يسدّ عنك الضوء ويترك عتمتك تكبر تحت ظلّ مهامك السالبة وعمود فقرك المتراخي، ومزاجك يذبل كلما طال قهرك.
لا يمكن إبطاؤك للوقت وإضاعة الفرص، واتهامي بالتقصير، كنت أمتحن الفجر في فنجان قهوة، وكنت أرسم لوحة بلا ثلاثيّ أبعاد، وكنت أغتنم الشفق للسجود، وكنت أعدّ المساء للّقاء بك، لن يتركنا الليل بشعوذته وأشباحه معلقَين بلا وصل، ولن يوصلنا للقاء منفرد، كلها أحلام على غرار المتاهة .. هل عودتك مرّة على استئصال الحلم؟ وأوطان حسية ملهمة تأتي بكل خصلات شعرها ناعمة وذاتية، وأنت تحبسها في قعر قلبك كي لا تظهر من جديد، فدعني أتعرّف عليها.
المراسم التي شيعتني للعزلة، اِلتفّتْ حول عنقي وأجبرتني للتخلي عن ذاتي، حين أجبر الوقت مساري بلا عودة، تسلحتُ أنا لمعركتي التي أجاهد فيها من أجل الحرية، ليلك ينزف حبراً بلون القلب أحمر، وينثر الحروف تلقط أجزاءك لتبني لي قصيدة من الذكريات، وغلسٌ أسود فوق غصون الهمس لا يُدرك معنى الرحيل.
لا تترك ثغراً ليبنيه غيرك، ويستلهم حبات بُعدك بعقد جميل ويلبسها إياه، ولا تترك ليلة دون أن تقبّل خدها رضىً، فالسعادة أن تكون راضٍ بحبها وتنام قرير العين، لتأتي الذكريات، تأخذ روحك إلى روح غائبة، ويتنهد قلبك، ما زالت نظرة الوداع في صورتها الثابتة بعقلي، وما زال اسمك أجمل اسم يطوّق عنقي بطوق الياسمين، لم يكن بوسعك الانضمام لقائمة احتباسي، مُعتقلي وهْمٌ، وحريتي أسوار، وغدي لن يكون أجمل من أمسي.
لا تمتحن صبري في ليل صامت، وخيالات مرعبة، أنا أعبّئ الفجر في فناجين القهوة، وأحليها بصباحات مركزة وأعود لتقبيل يد أمي كلما تسنى لي ذلك الوصل بعبث الطرقات وضجيج المسارات، وأشتري من بائع صبور كتم الأنفاس وقت الغضب، وأتعدى على صخبك كلما تطاول عليّ، لأنثر الرماد في وجهك، وأَسُد عنك مسام النطق، وأتركك تموء حتى الاختناق، وأخلي عن نفسي مسؤولية الحب والاهتمام والمعروف الذي يقيدني .. لن تلمس غلسي بأيّ ودّ، لأن ضجيج كبريائي يشتعل كلما آثرتك على نفسي.