روايات على رفوف النسيان .. حين يصبح النشر حلمًا بعيد المنال
حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء
في بلدي، الكتابة بحد ذاتها ليست العائق الأكبر أمام المبدعين، بل التحدي الحقيقي يكمن في نشر الروايات والقصص، حيث يصبح الأمر أشبه بمعركة بين الحلم والإمكانات المادية.
على الرغم من وجود معرض سنوي للكتاب، إلا أن المشاركة فيه تظل محصورة بأولئك القادرين على تحمل تكاليف الطباعة والنشر، أو المحظوظين الذين يجدون داعمًا كريمًا يساهم في تحقيق أحلامهم؛ أما البقية فتظل أعمالهم حبيسة رفوف مكتباتهم، تنتظر ربما لحظة قدرية تُخرجها إلى النور بعد رحيلهم.
معضلة الطباعة والنشر:
تكاليف الطباعة والنشر في بلدنا ليست في متناول الجميع؛ الرواية أو القصة التي يقضي الكاتب سنوات في صياغتها وصقلها تصبح عبئًا ماليًا كبيرًا إذا أراد نشرها؛ دور النشر، من جهتها، تُعامل هذه الأعمال كمنتج تجاري بحت، حيث تُركز على الربح المضمون؛ مما يجعلها تفضل الأسماء المعروفة أو الأعمال التي تتماشى مع اهتمامات السوق.
أما الكاتب الموهوب، الذي لا يمتلك المال الكافي، فيجد نفسه مضطرًا للانتظار أو البحث عن داعم، وهو أمر نادر الحدوث؛ هذا الوضع يحرم المجتمع من إبداعات قد تكون مؤثرة ومهمة، ويُثبط عزيمة الكثير من الكتّاب الذين يرون أن أحلامهم تصطدم بواقع مرير.
معرض الكتاب فرصة محدودة لا تشمل الجميع:
رغم أن المعارض السنوية للكتاب تُعتبر منصات ثقافية مهمة، إلا أنها في بلدي لا تُنصف الجميع؛ المشاركة فيها تتطلب دفع تكاليف طباعة الروايات والقصص، وهو ما يجعلها حكرًا على المقتدرين ماليًا؛ أما الكتّاب الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف، فإنهم يبقون على الهامش، يشاهدون أعمالهم تتراكم في أدراج مكاتبهم دون أن ترى النور.
الأثر الثقافي والاجتماعي:
هذا الواقع لا يؤثر فقط على الكتّاب، بل يمتد تأثيره إلى المجتمع بأسره، عندما تُحرم الساحة الأدبية من التنوع؛ فإنها تفقد فرصة التعرف على زوايا جديدة من الحياة وتجارب مختلفة. الروايات والقصص ليست مجرد كلمات على ورق؛ بل هي وسيلة لفهم الآخر، وتعزيز الحوار الثقافي، وبناء الوعي الجمعي.
نماذج من الظلم الثقافي:
كم من كاتب موهوب قضى عمره يكتب روايات وقصصًا ملهمة، لكنها لم تُطبع إلا بعد وفاته، وربما بفضل مبادرة من قارئ أو داعم اكتشف قيمتها بعد فوات الأوان؟ هذه القصص ليست خيالًا، بل واقعًا يعيشه العديد من الكتّاب الذين لا يملكون إلا أقلامهم وأحلامهم.
الحلول الممكنة
رغم قتامة الصورة، إلا أن هناك حلولًا يمكن أن تُحدث فرقًا:
1. إنشاء صناديق دعم للنشر: يمكن للحكومات أو المؤسسات الثقافية تخصيص صناديق لدعم طباعة ونشر الروايات والقصص، بحيث يتمكن الكتّاب من نشر أعمالهم دون تحمل تكاليف باهظة.
2. تفعيل المبادرات الثقافية: يمكن تنظيم مسابقات أدبية تشمل جوائزها تغطية تكاليف الطباعة والنشر.
3. تشجيع النشر الإلكتروني: في عصر التكنولوجيا، يمكن للكتّاب اللجوء إلى النشر الإلكتروني كبديل أقل تكلفة، مما يتيح لهم الوصول إلى جمهور واسع دون الحاجة إلى طباعة مكلفة.
4. دعم المكتبات العامة: المكتبات يمكن أن تكون منصات لتوزيع أعمال الكتّاب المحليين مجانًا أو بأسعار رمزية.
5. تعاون الكتّاب معًا: يمكن للكتّاب تشكيل مجموعات تعاونية للنشر الذاتي، بحيث يتشاركون الموارد والتكاليف.
خاتمة: أمل في التغيير
الكتابة ليست فقط وسيلة للتعبير عن الذات، بل هي رسالة للمجتمع بأسره؛ ولكن عندما تصبح عملية النشر مرهونة بالمال والنفوذ، فإننا نفقد جزءًا كبيرًا من ثرائنا الثقافي؛ على المؤسسات الثقافية والحكومات أن تدرك أن دعم الكتّاب ليس ترفًا، بل ضرورة لبناء مجتمع واعٍ ومتنوع.
لعلنا نأمل أن يأتي يوم تُفتح فيه الأبواب أمام كل كاتب موهوب، بغض النظر عن إمكاناته المادية، لتصل كلماته إلى القرّاء، وتصبح جزءًا من ذاكرة الأمة الثقافية.