تحدي الصعاب، والإصرار على النجاح
ناصر بن خميس السويدي
في قصة تُلهم الأجيال وترسم لوحة عنوانها الإرادة، قرر ثلاثة شباب عمانيين مواجهة الصعاب وتحدي المستحيل بالسير على الأقدام من سلطنة عُمان إلى دولة الكويت؛ قاطعين أكثر من ألفين كيلومتر دعمًا للمنتخبات الخليجية المشاركة في الدورة الخليجية (٢٦)، والتي ستقام خلال الفترة من ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ وحتى ٣ يناير ٢٠٢٥.
رحلتهم لم تكن مجرد سفر تقليدي، بل كانت رسالة عظيمة تحمل معاني الصبر والإصرار، وتجسد حقيقة أن “لا شيء مستحيل مع العزيمة والإرادة”. لقد انطلقوا في رحلتهم قبل ٥٦ يومًا من نقطة البداية، يجوبون دول الخليج العربية، حاملين راية الوحدة والدعم الرياضي والرسائل الاجتماعية النبيلة، حتى وصلوا أخيرًا إلى محطتهم الأخيرة، وهم يتمتعون بالصحة والحيوية رغم التحديات.
في كل محطة مروا بها، استُقبلوا بحفاوة بالغة من المسؤولين والمجتمع المحلي، حيث علت الابتسامات الوجوه وتعالت الدعوات الصادقة: “حفظكم الله ووفقكم في مسيرتكم المشرفة”.
أحد أبطال الرحلة، والذي خضع قبل ثلاثة أسابيع فقط من انطلاقهم إلى عملية استئصال ورم خبيث في أحد فخذيه، أثبت أن الإرادة الصلبة قادرة على قهر الضعف والتغلب على المرض. كان يشعر بالتحسن مع كل خطوة يخطوها، مشددًا على الفوائد الصحية للمشي الطويل وعلى دوره في تحسين الحالة البدنية والنفسية.
الرسالة للمجتمع ..
إن ما قام به هؤلاء الشباب ليس مجرد رياضة، بل هو نداء للتحرك والتغيير. رسالتهم تحمل بعدين أساسيين:
١. “العزيمة تصنع المعجزات”:
فمهما كانت الصعوبات، ومهما ظن البعض أن الهدف مستحيل، يمكن تحقيق المستحيل بالإصرار والإيمان.
٢. رسالة صحية ورياضية:
على الجميع، كبارًا وصغارًا، تبنّي أسلوب حياة أكثر نشاطًا، فالرياضة ليست ترفًا بل هي ضرورة لصحة الجسد والعقل، وخاصة لمكافحة الأمراض المزمنة والخطيرة.
إن هذه الرحلة البطولية يجب أن تكون مصدر إلهام لكل فرد في المجتمع؛ لتحفيزه على تجاوز التحديات الشخصية والبحث عن التغيير. فالهدف لم يكن مجرد دعم للمنتخبات الخليجية، بل زرع روح العزيمة في قلوبنا جميعًا. وكما يقولون: “بالإرادة يتحقق كل شيء”.
واستمرت رحلتهم حاملةً مواقف مشحونة بالإصرار والكفاح، حيث لم تخلُ الطريق من التحديات التي اختبرت صلابتهم، سواء كانت وعورة التضاريس، أو طول المسافات، أو التحدي الأكبر في مواجهة إجهاد الجسد وتحدي النفس. لكن مع كل خطوة كانوا يقابلون دعمًا معنويًا هائلًا من أهالي المناطق التي مروا بها، حيث فتح الجميع قلوبهم وأبوابهم لاستقبالهم ودعمهم، فأصبحت الرحلة ليست مجرد عبور جغرافي، بل بناء لجسور من الأخوة والتآخي بين شعوب دول الخليج.
وفي أحد اللقاءات الإعلامية معهم، تحدث أحدهم قائلًا: “هذه الرحلة كانت درسًا لنا وللجميع؛ المشي الطويل قرّبنا من أنفسنا، وجعلنا ندرك قيمة الصحة والنشاط البدني في حياتنا. أجسادنا قادرة على العمل والعطاء، لكن العائق الوحيد هو ترددنا وكسلنا.”
رسائل المجتمع الملهمة من رحلتهم
١. تحقيق الأهداف بالصبر والإصرار:
فمهما كان الهدف بعيدًا أو الطريق شاقًا، يمكن للإرادة الحقيقية والالتزام أن توصلك إلى النهاية. هؤلاء الشباب تحدّوا الحدود الجغرافية والنفسية وأثبتوا أن المثابرة تصنع المستحيل.
٢. التوعية بأهمية الرياضة والصحة:
تجربتهم هذه تسلط الضوء على الفوائد العظيمة للمشي والنشاط البدني في تحسين الصحة الجسدية والنفسية. الرياضة ليست مجرد هواية، بل هي أسلوب حياة يُمكّن الجميع من تجنب الأمراض والتغلب على المصاعب الصحية.
٣. رسالة أمل لمرضى السرطان والمصابين بالأمراض المزمنة:
مشهد الشاب الذي خضع لجراحة لاستئصال الورم وهو يسير آلاف الكيلومترات بحماس وابتسامة، يقدم أملًا كبيرًا لكل من يعاني من المرض، مفاده أن “الألم لا يوقف الطموح، والإصرار علاج قبل الأدوية”.
٤. تعزيز الوحدة الخليجية:
هذه الرحلة عززت روح الأخوّة والتلاحم بين دول الخليج؛ حيث كانوا مثالًا حيًا للترابط بين أبناء المنطقة وتذكيرًا بقوة العلاقات التي تجمع شعوبها.
نحو مستقبل أفضل
رحلة هؤلاء الشباب الثلاثة يجب أن تكون نموذجًا يُحتذى به في المدارس والمؤسسات والمجتمع بأكمله، حيث نحتاج إلى مبادرات مشابهة تُلهم الجميع للتغلب على التحديات اليومية وتحقيق الأحلام.
وختموا مسيرتهم برسالة مدوّية:
“اصنعوا المستحيل بأقدامكم وعزيمتكم… نحن دليل حيّ على أن الأمل والعمل وجهان لا ينفصلان لتحقيق النجاح.”