الوسائل التعليمية بين ضياع المدلول وغياب المعنى
خميس البلوشي
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى نحو الحداثة والتجديد، تنبعث الأسئلة عن جدوى الوسائل التعليمية وقدرتها على إيصال الرسالة الحقيقية للمتعلمين. كانت الوسيلة يوماً ما نافذة تفتح على فضاء المعنى، وجسراً يمتد بين المعلم والمتعلم، لكنها اليوم قد أصبحت في كثير من الأحيان صورة صامتة، أو عرضاً براقاً يخلو من الروح التي كانت تحيي الفكرة.
يبدو أن الوسائل التعليمية، وهي التي أُريد لها أن تبسّط المفاهيم وتوضّح المبهم، قد انزلقت في دوامة الضياع. أصبحت تُستخدم أحياناً دون تمحيص، مجرد زينة تزين الحصة الدراسية دون أن تضيف للطالب شيئاً ذا قيمة. تجد المعلّم يحضر الوسيلة من دون أن يتأمل مدلولها أو علاقتها بالمحتوى الذي يقدمه. أضحت الوسيلة في كثير من المواقف وكأنها مجرد إجراء شكلي لتحقيق الكفاءة التدريسية في عين الرقابة، لكنها لا تحقق التفاعل الحقيقي بين الطالب والمعلومة.
فالوسيلة، في جوهرها، ليست سوى أداة لإضفاء المعنى على الفكرة، لكنها عندما تستخدم بسطحية، تفقد هذا الدور.
نحن في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا الوسيلة المفضلة، ولكن في غمرة الاعتماد على التكنولوجيا، غيب المعنى الحقيقي للتعليم. تعرض الشاشات، وتقدم العروض، ولكن دون أن تثير التفكير، أو تحفز العقول، أو تنير القلوب. قد يبهر العرض بلمعانه، لكنه لا يثري الذهن.
إن الوسيلة التعليمية ليست مجرد لوحة أو شاشة عرض، وليست مجرد صور ملونة أو أشكال ثلاثية الأبعاد. إنها مفهوم يتطلب الإبداع، وفن يستدعي التوازن بين الشكل والمضمون. غياب هذا الفهم لدى بعض المعلمين يجعلهم يغرقون في استخدام وسائل قد تربك الطالب بدلاً من أن تساعده، وقد تشوه الفكرة بدلاً من أن تجليها.
إن إعادة الاعتبار للوسائل التعليمية تبدأ من الوعي بأن الوسيلة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات تربوية ومعرفية عميقة. يجب أن يسبق استخدامها تخطيط واع، وتأمل في طبيعة المتعلم واحتياجاته، واختيار الوسيلة التي تناسب المضمون الذي يراد تقديمه.
فالوسيلة التعليمية ليست مجرد أداة لتزيين الحصص الدراسية أو إبراز مهارات المعلم في الإعداد، بل هي لغة يحاور بها المعلم عقول المتعلمين، ورسالة تكتب بحرفية لتصل بوضوح. علينا أن نعيد للوسيلة التعليمية معناها، ونربطها بالهدف، ونجعلها نقطة ارتكاز تضيء الطريق لا غاية تشتت الاتجاه. هكذا، تتحول الوسيلة من عرضٍ بلا معنى؛ إلى تجربة تعليمية غنية، تنبض بالحياة، وتثري الفكر، وتعيد للتعليم جوهره الإنساني العميق.