إختيار الصُحبة من أدب الرحلة
ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
ما أكبر الشوق للوطن، ولن تجد لك مثله في الوجود سكناً ، وما أعظم التعلق به منذ لحظة الميلاد وحتى ساعة الكفن، لطف الله بأهل غزة فقد باعوا أرواحهم فداءً للوطن ولعمري ما هو الثمن؟ دفاعًا عن المقدسات ومسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى المبارك؛ فربح البيع وفي الجنة لهم نعم الدار والسكن، وأهل غزة في القلوب مهما ابتعدنا عن الأوطان وباعدت بيننا وبينهم المسافات والحدود، كم هو الشوق كبير إليكم أحبتي القراء لأطل عليكم بكلماتي مجددًا بعد انقطاع دام طويلًا، مبحرًا معكم عبر هذا السرد اليسير والمختصر عن رحلتي الثانية لمملكة تايلند كي أطمئنكم على صحتي العامة أولًا وعملي للفحوصات اللازمة ثانيًا، وللتنزه والاستمتاع بالمناظر الخلابة وتذوق الفواكه التايلندية الجميلة ثالثًا، ولا شك أن اختيار الصحبة من أدب الرحلة؛ فهم زاد السفر ومن أهم أسباب القوة والمنعة والحمد لله على النعم الكثيرة وعلى هذه النعمة، وقد صحبني في هذه الرحلة شقيقي الأكبر خالد وعديلي سليمان السيابي، وقد كانت رحلتنا عبر الطيران العماني، وقد استغرقت الرحلة ٦ ساعات، ولكنها مع الصحبة الطيبة مرت وكأنها ساعة؛ ولهذا من أراد السفر فلا يسافر بمفرده إلا لضرورة لا محيص عنها، مضت المدة وقد سرقتنا الأوقات في هذه الرحلة، بعد الاطمئنان على الصحة واتباع كل علاج ووصفه.
مرت الأيام سريعًا وقد قضيناها في التجوال والترحال، ومن بين الجزر التي زرناها هذه المرة جزيرة “كولان” حيث أبحرنا إليها بعبارة خلال نصف ساعة فقط من منطقة بتايا وسط مملكة تايلند، وفور وصولنا لهذه الجزيرة كان الطقس مشمسًا في ذلك اليوم، تشاورنا فيما بيننا عن كيفية ووسيلة الاستكشاف فآثرتُ أن أقطع بعض أماكن هذه الجزيرة ماشيًا لأستكشف المكان وأتعرف على طبيعة السكان، فمشيت بمفردي سالكًا جهة اليمين لآخر نقطة تمكنت من الوصول إليها ولم يوقفني إلا البحر ومراكب الصيد، فيما قطع شقيقي خالد وعديلي سليمان بعض أماكنها بالدراجة النارية فهي متوفرة مقابل أجر زهيد، وبدوري استمتعتُ بتجولي بين تلك المساحات الخضراء التي تتوسطها النزل والمتاجر والمقاهي، وأنا أبتعد شيئًا فشيئًا عن النمط العمراني وأدخل في مساحات خضراء شاسعة، حيث الهدوء وصوت الطبيعة كتغريد الطيور المختلفة، وتحليق الفراشات البيضاء الصغيرة بعيدًا عن ازدحام الناس وصخب الموسيقى في الأسواق والطرقات، وأتفكر في خلق الله، ومن أراد الاستشفاء فليقصد الطبيعة الجميلة؛ ففي المساحات الخضراء الممتدة راحة للبصر وشفاء للقلب العليل من السموم والكدر. عدت أدراجي بعد ذلك حول نقطة البداية حيث مكان اللقاء فقد مضى نهار ذلك اليوم في تلك الجزيرة، وقد زرنا فيما بقي لنا من أيام العديد من الحدائق كحديقة التماسيح والعروض التي تقام عليها ورؤية مختلف الحيوانات والتصوير بالقرب منها وحديقة الفيلة، وحديقة الأسماك المائية وحدائق النباتات والتراث المعماري التايلندي القديم وحديقة الأفاعي وعروضها وحديقة النمور، وقد أطلقت تلك النمور بداخلها في بعض الجوانب من هذه الحديقة الكبيرة وإحكام.
تلك الجوانب والمساحات بصفة مشددة لكي يتمكن السواح والزوار من المقيمين من رؤيتها بشكل أقرب وتصويرها عبر سيارة صغيرة محكمة الإغلاق تطوف حول تلك النمور من داخل تلك السيارة، ويغلب على سكان مملكة تايلاند اللطف وحضور التبسم فلا وقت لديهم للحسد؛ والدليل على ذلك أنهم يرحبون بكل مستثمر وتاجر وكل عامل من أي بلد كان، فلا مانع أن يعمل في بلدهم ويثابر ولكل مجتهد نصيب، ولكن بعيدًا عن الانحراف والمخاطر، وهذه هي زيارتي الثانية كما أسلفت لهذه المملكة ، فبعض الأماكن تدعوك للعودة إليها لتترك فيها بصمة محب وذكرى مغامر، وشعور مُلحٍ بالرغبة في الإصلاح، وإن كتم ذلك القلب وأبدته بعد ذلك الجوارح بصدق المشاعر.
وأذكر أن زيارتي الأولى كانت منذ خمسة أعوام برفقة عديلي سليمان كذلك، تختلف ثقافة كل شعب عن آخر بطبيعة الحال من جميع النواحي بدءًا بالديانات والعقائد وأداء الصلوات وممارسة بعض الطقوس وتراث الملبس وحتى تنوع المأكل والمشرب، ومما لفت نظري تنوع الطعام العجيب والمباح في الديانة البوذية، وهي الديانة السائدة عند الشعب التايلندي كما هو الحال في فيتنام والصين وبعض البلدان المجاورة لها، فقد رأيتُ التماسيح المشوية باختلاف أحجامها وأسعارها وقد عرضت برؤوسها، ليختار المشتري القطعة التي تناسبه كما رأيتُ مختلف الحشرات من الصراصير والديدان والعقارب والضفادع منها المقلي ومنها المسلوق والمشوي، ولا شك أن هده الأطعمة من الأكلات المحببة لهذه المجتىعات والشعوب، وربما أغلبهم يحب هذه الأطعمة لأن فيهم أقلية مسلمة، فلا نستطيع إطلاق الحكم على الجميع.
وصلنا بكم أحبتنا القراء لختام هذه الرحلة لهذه المملكة، فقد ساد رحلتنا هذه التعاون والإيثار وجميل الصحبة، واعذرونا على الإطالة، ونرجو أن نكون قد وفقنا في السرد لهذه الرحلة.