عزيزٌ أنتَ يا وطني
ثريا بنت علي الربيعية
الوطنُ هبةٌ من هبات الرحمن العظيمة، والحضن الدافئ الذي نتفيأ في ظله بالعيش الكريم، تشربنا حبه من الصغر كغرس استقى وارتوى من مائه وطيب هوائه، وكبرت أحلامنا الصغيرة لتصبح واقعًا نجني ثمارها اليانعة على أرضه، فحب الوطن سمة من سماتِ الإيمان بل أنّ من أوجب الواجبات الدينية على أبنائه الحفاظ عليه، ورفع رايته، والدفاع عن شرفه.
ومن أعظم ما يتوجب علينا الشكر والامتنان أن وهبنا الله تعالى وطنًا عزيزًا وأرضًا طيبًة كتربة عُمان وطُهرها، تميزت بأدق معاني السماحة، وصبغة الطيب والكرم التي علَت مُحيا أهلها بقدر ما تميزت بشموخ جبالها ونخيلها، واتساع بحارها وسواحلها التي سطرت أمجاد عُمان وسيادتها عبر تاريخ مشرف، ودولة مهيبة امتدت لقرون طويلة، استطاعت عبرها عُمان أن تحفرَ اسمًا خالدًا كصلابة الخنجر السعيديّ والسيفين، الرمز الذي كان شاهدًا على مجد الآباء العريق وملاحمهم التاريخية عبر العصور، ولا زال هذا الرمزُ منقوشًا في قلب كل عُماني لا يمكن أن يُمحى.
ها هي عُمان ترفُل اليوم في ذكرى العيد الوطني الثامن عشر من نوفمبر بثوب العزة والهيبة، وتتوشح مبانيها وقممها بألوان العلم الشامخ؛ لتعلو منارةً بين الدول بما خلّده الآباء من مآثر، وما أنجزه الأبناء المخلصين في مسيرة البناء والعطاء، فقد باتت عُمان وجهة لأنظار العالم، ومقصد للأمان والسلام، وفي واقع الأمر يتطلع الجميع إلى اتزانها لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة والأزمات العالمية التي تعصف بالعالم إلّا أنّ السياسة الحكيمة والنظرة العادلة وحيادية المواقف كانت السمة المصاحبة للفكر العماني، الذي أثبت صدق المبادئ وصلابة الرأي، وسمو الغايات التي تتطلع لها عُمان حكومة وشعبًا.
فضلا عن ذلك ما حققته سلطنة عُمان من نجاحات لبناء دولة عصريّة قويّة، وتكوين علاقة وديّة على مختلف الأصعدة؛ فمنذ فجر النهضة المباركة استطاع السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- بعزم وحكمة أن يتخطى كل صعب، ويقود دفة عُمان بخطى واثقة، لتسير نحو التطور والتغير الهائل؛ حتى بدت كواحة غنّاء يتفاخر بحُسنها كل مُواطن عُماني، متباهيًا بهويته وتاريخه المجيد، متميزًا بسمته وحضوره البهي في كل الميادين، ليجدد العهد والوفاء بمواصلة المسير بكل ثقة وتفاني لتحقيق الازدهار والمجد، ورد الجميل لما قدمه هذا الوطن لنا من رفعة وعزّة.
لا ريب أن تعود إلينا هذه الذكرى لتحرك نبضًا خالصًا في كل زاوية من زوايا هذا الوطن، فرحةً يجسدها صغارنا في مدارسهم ولوحاتهم وأوشحتهم، فرحةً يسبقها الاستعداد للاحتفال بهذا اليوم الزاهي بارتداء اللبس الوطني المميز؛ ولسان حالهم يردد الأناشيد والأشعار الوطنية؛ تعبيرًا عن مشاعرهم البريئة في حب أرضهم أرض العزة والسلام، وبالتأكيد يشارك ببهجة هذا الفرح النوفمبري كل قلب يعشق تراب هذا الوطن، وعاش في كنفه عزيزًا؛ ليشهد متباهيًا بما بلغته عُمان من حاضر مزدهر، ومستبشرًا بمستقبل مشرق، سيتحقق وفق رؤى وتطلعات القيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه- لتكتمل حكايات المجد، وتزيد عُمان حسنًا وبهاءً بالمستقبل الواعد.
وفي هذا المقام ندرك إنّ مشاعر حب الوطن لا تختصرها المقالات والكلمات وليست مجرد شعارات بل يعبر عنها بالانتماء والشعور بواجب المسؤولية، وهنا يأتي الدور الحقيقي لأبناء هذا الوطن تجاهه بالبناء والإخلاص في رفعة شأنه، وصون مكتسباته، وإبراز منجزاته في المحافل الدولية والعالمية، وإعطاء الصورة المشرفة عن الهوية العمانية الأصيلة بكل فخر، سائلين الله تعالى أن يجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً، وكل عام وأنتَ عزيزٌ يا وطني.