يحيى السنوار من ظلام السجون إلى نور القيادة(١)
عائدة بنت سعيد العريبية
إن التحديات التي نواجهها قد تكون صعبة وقاسية ، ولكن إذا ما نظرنا إليها بعين الإيجابية فإنها تتحول إلى فرص ثمينة للنجاح والنمو ،ففي كل زاوية من الظلام يتوهم بعضنا أن الأمل يتلاشى ، وأن الحياة تفرض علينا استسلاماً بلا خط رجعة، وفي تلك اللحظات الفارقة تبرز عمق الروح الانسانية وعظمتها ، فتخلق من جحيم المحنة نوراً يشق طريقه نحو النجاح
“*يحيي السنوار من ظلام السجون إلى نور القيادة*”
صباح بارد من ديسمبر ١٩٨٨م ،جنود مسلحين يجوبون شوارع خان يونس، يبدو من الوهلة الاولى، أنهم يعرفون وجهتهم، ويعلمون مقصدهم، بمنزله الصغير كان الشاب ذو العزيمة الحديدية، يستشعر أن اليوم قد يكون مفترق الطرق في حياته، زج به في السجن بتهمة قيادة المقاومة،ما لم يعرفه الجنود حينها أنهم لم يسجنوا رجلاً عادياً، ومقاوماً سهل المنال، بل أطلقوا العنان لقائد تحول من أسير مكبل إلى رمز وطني شامخ، تهوي قاماتهم رعباً إذا ما نطق اسمه: إنه يحيي السنوار
خلف جدران الزنزانة الباردة، كان السنوار يواجه محنته الكبرى التي لم تتعدى سلب حرية الجسد بينما أطلق العنان للروح والفكر، فجعل من زنزانته مدرسة للقادة ” فلم يكن السجن مكاناً لإطفاء العزائم، بل كان مشعلاً لإضاءة طريق الحرية”
فلم تكن محنة سجنه عائقاً، بل دافعاً نحو التعبير ، ولم تحل قيوده دون قناعاته، بل لم تكن تلك الجدران المتصدعة التي لا يدخلها النور وتسودها العتمة مفرقة له في عتمتها
بل كانت شعلة أضاء من خلالها طريقه نحو الامل ، فأعاد بناء نفسه, ورمم قواعد ذاته، وطور من السياسية والنضالية.
أثناء فترة وجوده في السجون الاسرائيلية أتقن السنوار اللغة العبرية بعمق مما أكسبه معرفة واسعة بالنظام الاسرائيلي من الداخل وكان على دراية أكبر بالخطاب السياسي الأمني ،
خلال فترة اعتقاله، لعب السنوار دورًا بارزًا في توجيه مفاوضات الصفقة، حيث كان له تأثير قوي بفضل مكانته القيادية وخبرته داخل السجون، وإتقانه للغة العبرية، مما ساعده على فهم الاستراتيجيات والتكتيكات الإسرائيلية. بينما كان الدور التنفيذي للمفاوضات من خارج السجن، كان له دور توجيهي مؤثر خلال المراحل التحضيرية للصفقة، مما جعل الاتفاق يُنفذ بعد إطلاق سراحه.
وبعد سنوات من العزلة والتخطيط خرج السنوار من السجن بعد ان قضى فيه قرابة ٢٣ عاما كانت حافلة جميعها بالتدريب العسكري والفكر المتقد فجعل من كل يوم له هناك درسا ومن كل لحظة تحديا فكان خروجه ليس مجرد أسير محرر بل قائد محنك فبعد الإفراج عنه ضمن صفقة “شاليط” في 2011، التي أطلق فيها سراح أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، أصبح السنوار أحد القادة الأساسيين في تنظيم حماس المسؤولين عن التفاوض مع الجانب الإسرائيلي.
خلال جلسات التفاوض، شكّلت معرفته الدقيقة باللغة العبرية ميزة استراتيجية؛ فقد تمكن من فهم النبرة والخلفيات في حديث الوسطاء الإسرائيليين بشكل مباشر، وأصبح قادرًا على التمييز بين التصريحات الصادقة ومحاولات التلاعب أو الضغط. إلمامه باللغة ساعده في تحليل مواقف الإسرائيليين والتنبؤ بتصرفاتهم، ما منحه الأفضلية في التفاوض ومهّد لتحقيق صفقة تبادل لصالح الفلسطينيين، عُدّت من أكبر وأهم الصفقات في تاريخ القضية الفلسطينية.
خرج السنوار ليصبح بعدها قائداً بارزا في كتائب القسام وحماس ومسؤولا عن ملف الأسرى ومفاوضات التبادل مع الاحتلال
وتولى قيادة حركة حماس في فترة مليئة بالتحديات فبنى استراتيجيات طويلة الأمد، وأسس جهاز الأمن الداخلي لحماس
وفي عام ٢٠١٧ تم انتخابه رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس ليصبح بذلك الرجل الأقوى للحركة داخل القطاع مما يجسد ارتقاؤه السريع إلى قمة القيادة وهذا يدل على انه استطاع بفضل ذكائه في التعامل مع المحن أن يصبح الرجل الأقوى في الحركة بعد ان استطاع أن يمزج بين القوة العسكرية والحنكة السياسية، ليصبح قصة ملهمة لكل سياسي من رجل مكبل بالقيود إلى سياسي محنك نرى ذلك جليا في مواقفه
حيث كان السنوار واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الساحة الفلسطينية وأحد القادة الذين أظهروا حنكة كبيرة في إدارة الصراع مع
إسرائيل. على مر سنواته كقائد، برزت مواقفه التي عكست فكره الإستراتيجي وتعامله المدروس مع الأزمات.