ذكريات السفر في السبعينات
يوسف الشكيلي
حياة صعبة، وصمود بلا حدود:
في السبعينات، كان السفر مغامرة تتطلب الكثير من الصبر والتحمل، حيث كانت المسافات الطويلة وقلة الخدمات تضيف صعوبات جمة على المسافرين. كانت تلك الحقبة زمنًا تتجلى فيه صلابة الإنسان وقوة إرادته، حيث لم يكن التنقل بين الديار أمرًا يسيرًا كما هو الحال اليوم.
الرحلات الشاقة:
كان أهالينا في تلك الفترة يخوضون رحلات طويلة وشاقة داخل دول الخليج، متوجهين إلى ديار قريبة من سلطنة عُمان بحثًا عن لقمة العيش. كانت هذه الرحلات تستغرق أحيانًا سنة كاملة، وفي بعض الأحيان ستة أشهر. يتركون وراءهم أبناءهم وزوجاتهم وأهاليهم، ويجتمعون في سيارات تُعرف بـ “بيكم”، متجهين نحو المجهول لتحقيق حياة أفضل.
الحياة في الغربة:
لم تكن الحياة في الغربة سهلة، فقد كان العمل شاقًا والأحوال المعيشية صعبة. ومع ذلك، تحملوا هذه الظروف القاسية بصبرٍ وجلد، موقنين بأن هذه التضحيات ستكون السبيل لتحسين أوضاعهم وأوضاع أسرهم. كانوا يعيشون في تجمعات صغيرة، يحاولون التمسك ببعضهم البعض لتجاوز صعوبات الحياة بعيدًا عن الوطن.
العودة إلى الوطن:
ومع مجيء جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد-المغفور له بإذن الله-، تغيرت الأوضاع في الوطن. شهدت البلاد تطورًا ملحوظًا وتحسنًا في المعيشة؛ مما دفع هؤلاء المغتربين إلى العودة إلى أرضهم. عادت الحياة تدب في القرى والمدن العُمانية، وبدأ الناس يستعيدون حياتهم الطبيعية. اتجه الكثيرون إلى الزراعة وركوب البحر للصيد، مستفيدين من الموارد الطبيعية التي تزخر بها بلادهم.
مشاهد من الماضي:
يمكن تخيل المشاهد الخيالية لتلك الفترة، حيث البيوت الطينية البسيطة والحياة الريفية الهادئة. نساءٌ يجتمعن حول الأفران الطينية يخبزن الخبز ويعدُدن الطعام، وأطفالٌ يلعبون في الحقول الواسعة. رجالٌ ينطلقون في رحلاتهم الشاقة، تاركين خلفهم دموع الأمهات وأحلام الأطفال. ومع مرور الوقت، تعود البهجة إلى هذه القرى بعودة المسافرين، حامليًا معهم قصصًا من الغربة وتجارب غنية.
الخاتمة:
كانت السبعينات حقبة تحمل في طياتها الكثير من التحديات والصعوبات، لكنها أيضًا كانت زمنًا للصمود والتحمل. تعلم الناس كيف يكونون أقوياء في وجه الصعاب، وكيف يجتمعون لدعم بعضهم البعض في أوقات الشدة. واليوم، نرى ثمرة تلك التضحيات في التقدم والازدهار الذي تشهده بلادنا، ممتنين لتلك الأجيال التي مهدت لنا الطريق بحبٍ وصبرٍ لا حدود لهما.