عَرفتُ فيك نفسي
هيثم بن حمد الجهوري
كلما عجزتُ عن الصراخ ولساني حمل أطياف النسيان وجفت محبرتي، أُجدد حمل أسفاري من أفكارٍ وهواجس وأمنيات لعلها تنسجُ يوماً ما غزلاً أزتانُ به، أمضي بها غير مبالٍ بأحمالي لأجدني أحتضن تلك الطُرقات المتزاحمه بدبيب البشر وصراخ المارة وانزعاج الساخطين وخطى التائهين.
لم أستوعب لم هذا الحنين إلى الإرتماء هنا كلما ضيعتُ نفسي وأنا الذي يدس راسه من الضجيجُ دائماً؟؟
أجد نفسي متسند عمود أفكاري إلى أن تسكن كل تلك العواصف من العبارات المترنحة والكلمات المتهاوية والحروف المتقاطعة التي تحلق بنا تجعلنا لا نترك موقعنا متشبث بذلك العمود وتتراقص حولها أوراق الشجر ويسمع أنين أغصانها حتى تلك الرسائل التي بقيت دفينة النسيان أو التجاهل..
أجد ريحها أجد فيها جميل الأمل وغصة الألم
مسترخياً لتلك الرسائل في عظيم ترتيلها وهي تجيب :
ألم تكن الشوارع والطرقات هي منبع الثورات وعنوان الغضب والسخط.؟
ألم تكن الشوارع والطرقات ميلاد النصر ورمز الإنتصار
ألم تكن الشوارع والطرقات ميدان الفرح والإحتفالات
ألم تكن الشوارع والطرقات هي أول ضحايا التدمير وهي أول من يبث فيه الحياة
ألم تسمع أن أي حراك كان مصدره الشارع
ألم تكن الشوارع والطرقات هي واجهة وعنوان للمكان
هنا مرت العاصفه بهدوء وخمدت كل الثورات التي كانت تعتريني فلا دهشة وراء الإنسياق وراء أحضان الطرقات تركت عمودي ملقي بأسفاري على قارعة الطريق محاولا ترتيب أنفاسي
حتى تهاوت عيناي إلى ذلك البعيد من الطريق في الجهة الآخرى الذي يعزف على الألواح الخشبية نغماً تخرُ له القلوب وتنحني له الجباه
كيف لتلك الأنامل الناعمة الساحرة أن تملك تلك السطوة على من نظن انها ليست الإ الواحاً خشبية منزوعة الإحساس وتتعاظم حيرتي وأنا أرى دمع عيناها يذيب الحديد لترسم الجمال في الحديد وتبث الحياة في الوجه البائس
أسابق الخطى حتى أجد لي مأوى بين أشيائك وجدت نفسي أخاطبك في كل تحركات أناملك وكل بديع صُنعك كلما قلبتُ ناظري تتطاير شيئاً من روائح كتاباتي المعتقة
كل أنغامك ورسماتك هي كنزي المدفون في كتاباتي المعتقة
كيف وصلتم إليها؟؟
وأنا أحرسها بين الحنايا وترتقبها النبضات ليل نهار!!!
بذات الهدوء والسكينة التي تكراراً حاولت بعثرتُها بتلك النظرات الحارقة والمفجوعة وربما الساخطة لمن وجد رائحة الكتابات المعتقة.
تمتمت بتلك النظرة التي حائرة الحروف عن صيدها..
أحاول أن أستقيم بعد تعثري
أحاول إغتيال تشتت أفكاري
أسعى في إستجماع قوتي
أسعى في إسترجاع ذاتي
أخذت نفساً ثم تابعت قولها :
لِمَ لم تكن كالعابرين ممن يرمون نظراتهم ثم يرحلون؟؟
إنها ليست مشغولات لمحترف صنعه… كانت صرخة في إندفاع لم أجد لها مبرر
تبددت بعدها كل السكينة المزيفة التي تغشانا
بعدها أجد نفسي أسترسل في حماس ورغبة
إنها أنغام ينزف القلبُ من أوجاعها ودموع تغرقُ بها الأحاسيس إنها مسكنات للهروب من الوجود والولوج إلى العدم إنها جلد الذات في محاولة بائسة إلى إستعادته إنها….
كفى كفى من أين لك كل هذا وأنا لم أبح بها؟؟؟
انها أنغامي والرسم الذي من وحي خيالي وكل هواجيسي وأمنياتي
وتفقدي عتيق كتاباتي حتى يطمئن لها بالك وتستقر عيناك
تمتمت من جديد الأن عرفت لما شعرت بقربك رغم الزحام ورغم تلك المسافة التي بيننا وذلك الرصيف الكئيب.
ارتسمت ابتسامة رضى على ملامحنا وقالت
اختر اللحن وأنا من سوف يعزف على تلك الخشبات وارسم على الحديد لكي استخرج منه التحف
اعتدنا بعدها أن نرتاد ذات الشارع ونجد أرواحنا في راحة اليد وهي تنسج كل ما يعترينا واستمع إلى ترتيل عيناك؛ ومبسمك يكبل حركتي ويلجم صوتي وأوجاعك تتساقط كلما تسندت على كتفي وجميع حروفي تتطاير في سمائك تُزينها مشاعر وأحاسيس مبعثرة تترجمها العيون ويشرحُها القلب ولا يفهمها غيرك…
حتى هبت رياح عصفت بتلك السكينه وأراك تحملي أمتعتك مدبراً ولم تلتفتي إلى كل إبتهالاتي
لم أجد بعدها إلا أن أتحسس خطاك بين الزحام وأشتم نسيم عبقك وحديثك مع أوراق الشجر.
ولم تلتف يوماً لتشاهد كيف الروح جفت بعد رحيل نبعك..
دعني أهمس إليك
رغم المسافات التي تفصلنا والطرق التي تمنع من لقائك الإ أن قلبي لا يميل إلا لك… يا بعيد
دعني أهمس لك
البعد لم يكن يوماً مسافات بل هو شعور
دعني أهمس لك
عيناك ثباتي وطغيان قلبي وصوتك هو سلامي المقدس وحديثك عزلتي الأجمل
دعني أهمس لك
جميعهم بشر بينما أنت حياة إنك أعمق من أن تكون شخصاً عادياً
دعني أهمس لك
متى تتواضع تلك المسافات التي بيننا؟؟
إقترب…
فما عادت الخُطى تتحمل أوجاع المسافات.