تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
قصص وروايات

الصورة العالقة في الذاكرة  سوق الجامع

سميرة أمبوسعيدية

   دعوني أحكي لكم حكاية بسيطة تنقلنا بين الماضي والحاضر، وتأخذنا في رحلة عبر ذكريات وأفكار سوق الجامع والسمرة المحيطة به.

    في قلب مدينتنا الصغيرة، يوجد سوق جميل مزدهر بالحياة يُعرف بسوق الجامع، يمتد تاريخ هذا السوق لسنوات عديدة، وهو يعكس تطور المجتمع وتغيراته عبر الزمان.

   عندما كانت الحياة تسري ببطء وعفوية، كان سوق الجامع مركزًا حيويًا للتجارة والتبادل الثقافي بولاية نزوى؛ يضم هذا السوق الجميل ببساطته محلات صغيرة تعج بالبضائع المتنوعة والحرف اليدوية الجميلة، كان الناس يتجمعون بين زوايا السوق، ولعل السمرة الكبيرة شجرة اللمبجة (شجرة قوية ومتحملة للحرارة) كانت مظلة لبيع وشراء الخضروات الطازجة والفواكه الملونة وبيع الأغنام والأبقار، وبالقرب من الشجرة الكبيرة يوجد سوق الجامع، وهو سوق يضج بالحياة والنشاط الاقتصادي خاصة أيام الأعياد، فمن المتسوقين مَن يذهب بأولاده لشراء الملابس والأحذية، فكنا نجد أجمل الأحذية والملابس الجميلة للعيد في ذلك السوق، ولعل ذكرياتي تستوقفني عندما كان أخي زاهر – رحمه الله – يمسك بيدي ويأخذنا أنا وأمي وإخوتي وابنته الصغيرة ويتجول بنا هنا وهناك يشتري لنا أجمل الأشياء للعيد.

   وعندما أغوص في ذكريات ذلك المكان كأني أرى والدي – رحمه الله – وهو ينادي بالأغنام وأنا أفتخر به ويترك ما بيده ويأخذ بصغيرته الوحيدة – أنا – ليشتري اللبس العماني المنتشر آن ذاك، وأنا أغوص في الذكريات … أذهب للمحل وأختار ذلك اللون الأحمر المخملي الذي أحبه ليكون لبسي للعيد … آه يا من حياة جميلة وليتها تعود لأشعر بيد أبي وأمي وأخي، وحين كنا ننظر لشجرة السمرة المحيطة بالجامع في أيام العيد في ذلك الزمان، وتضج الحياة بالسعادة وفرحة العيد، كانت السعادة تغمر القلوب حتى ترى الأب مع أولاده يتجولون بسوق الجامع وهم يجدون كل مطالبهم ، ومنهم من يجلس تحت السمرة لتناول القهوة و يتبادلون الأخبار والقصص والأحاديث والسؤال عن العلوم والمناشدة عن بعضهم بعضاً خاصة إذا ما علمنا بأن مرتادي السوق هم من أبناء ولاية نزوى والعديد من أبناء الولايات المجاورة.

     مع مرور الزمن، تغيرت الأمور وتطورت الحياة، ازداد الاهتمام بالتقنية والتجارة الرقمية، وتراجعت أهمية الأسواق التقليدية. فبدأت مظاهر السوق القديم تخفت تدريجيًا، وتلاشت ألوانها الزاهية أصبحت الحياة معقدة ومتسارعة، وانتقلت معظم الأنشطة التجارية إلى المراكز التجارية الكبيرة والمولات الضخمة وبقي هناك من كان له أثر وبصمة في التجارة احتوت متطلبات الحياة،

لكن روح سوق الجامع لم تمت بعد، فما زال هناك بصيص من الأمل والحيوية يتدفق في أروقته، يمكنك أن ترى الباعة الصغار يعملون بجد للحفاظ على تراث السوق وتقديم منتجات محلية فريدة من نوعها. وتارة أخرى تجدهم هناك يعرضون سلعًا ذات جودة عالية وأعمال فنية يدوية رائعة، يمكنك أيضًا الاستمتاع بتناول وجبة شهية في أحد المقاهي التقليدية المحيطة بالسوق والاستمتاع بمشاهدة الحياة تجري من حولك.

   بين الحاضر والماضي، يبقى سوق الجامع حكاية رائعة بين التغيير والثبات، وعن الروح الصامدة في وجه التحولات الجارية؛ فعلى الرغم من تحولات العصر وتقدم التكنولوجيا، يمكننا الاستمتاع بماضي السوق والتعرف على تاريخ تراثه الغني إنه مكان يجسد الروح المجتمعية والروح التجارية في آن واحد.

    في ختام رحلتنا عبر الزمن لسوق الجامع وسمرته المحيطة، ندرك أن الأماكن لها قصصها الخاصة وأفكارها الفريدة، إنها تذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث والثقافة المحلية، وبأن الروح الحقيقية للمجتمع تتجسد في تفاصيل صغيرة مثل سوق الجامع.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights