2024
Adsense
مقالات صحفية

إدمان العصر ..

  مياء بنت سعيد الصوافية

تتسمر الأجساد أمام منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية وأجهزتها المتنوعة، التي سلبت منا انتباهنا؛ وذلك لمكانة حضورها وإغراء جديدها، وتنوع أصنافها وسرعة خدماتها، و قوة مثيرها، إنها الأجهزة الإلكترونية وبرامجها الكثيرة التي ما زالت في ازدياد وفي نماء مستطرد تعج بكل جديد يتعلق بمجالها، فنقف أمامها فاغري الأفواه ممعني النظر إلى كم صفحاتها وإغراء ألوانها، وفي ذهول من عجائب صنعها ومن جديدها، فسلبت منا معنى الحركة الحيوية لأجسادنا، وأخذتنا عن طبيعة فطرتنا ومحور حياتنا التي خلقنا الله تعالى من أجلها.

وما زالت تقتنص الفرص لتجعلنا نرخي ثوب الكسل عن واجبنا الملقى على عاتقنا، وعن حقوقنا التي نسعى لها، وقد مثّلت هذه الأجهزة الدور بأنها ملبية لحقوقنا وقائمة بواجبنا، ولكنها في الحقيقة – وإلى حد ما – مضللة مغيبة للحق، وإن قامت به، ومانعة للواجب، وإن نابت عنا إنها هذه الأجهزة وبرامج التواصل الاجتماعي التي أخذت من الوقت حقوقه، فأصبح الفرد منا يقضي أوقاته مع هاتفه، أو أجهزته الإلكترونية أكثر من الوقت الذي يقضيه بين عائلته، أو لتزكية نفسه ودينه.

ونحن ربّما نملك شيئا من البصيرة، ولحظة من الحكمة، وقوة من القناعة، فنقدر أن نواجه أنفسنا باعتبار هذه الأجهزة، وما تحويه من برامج سلاح ذو حدين فنحن قادرون أن نثمن محتواها ما بين ضار ونافع لنا، وإنما الخوف على أبنائنا، والجيل القادم الذي نشأ على هذه الأجهزة الضارة والنافعة، وهي التي وجدها أول ما فتح عينيه على هذه الحياة، والخوف حين نجد الكثير من الأسر لا توجّه أبناءها إلى الاستخدام الصحيح والأمثل لهذه البرامج؛ فينشأ من هذا جيل همّه الأخذ لا العطاء والتسلية لا الجد فتختلط معه المقاييس والموازين فلا يعرف للوجهة هدفا، ولا ينتظر منها نتيجة إلا إرضاء لتسليته.

إن الإدمان عبارة عن سلوك يكرره الفرد إرضاء لرغبة اللحظة دون التمعن في العواقب؛ فيصبح عادةً، لا تقدر النفس على الابتعاد عنها، أو التقليل منها؛ فيسخّر لها كل شيء من قت ومال، أو أي شيء في استطاعته،أو حتى في غير استطاعته، أو استطاعة أسرته.

وما يدل على ذلك الدراسة التي أجرتها مؤسسة (دوكمو) اليابانية المتخصصة بهذا النوع من الدراسات التي أظهرت أن 70% من الأطفال في مصر واليابان والهند وتشيلي وباراغواي يمتلكون هواتفا نقالة، ولا علاقة لدخل الأسرة والمستوى الاجتماعي في امتلاكهم لهذه الهواتف فبعضهم يقدمها على طعامه وشرابه، ونجد الكثير من الأسر لا تعلّم أبناءها الاستخدام الصحيح لهذه المنصات الاجتماعية، ولا يكون امتلاكهم لهذه الأجهزة، وبرامجها من أجل التعليم، وتلقي الثقافة فقط إنما – هكذا – يمتلكونها كمكافأة وتسلية.

إن لهذه البرامج ومنصات التواصل الاجتماعي فوائد جمة إذا ما أحسنّا استخدامها منها:
– الثروة المعلوماتية التي يكتسبها الطفل في زمن التكنلوجيا و العولمة.
– إن المحتوى يكون في الغالب باللغة الإنجليزية، وهذا يكسبهم الخبرة بهذه اللغة.
– اكسبت الأبناء ثقافة متنوعة في شؤون الحياة فثقافة طفل عمره اثنا عشر عاما الآن تفوق ثقافة شاب عمره عشرين عاما في السابق قبل عشر سنوات فهي تثري الرصيد المعلوماتي.
– التسوق بكل يسر وسهولة.

لكن خوفنا على الأطفال واليافعين من عواقب هذه الأجهزة الذكية، ومنصاتها وبرامجها المفتوحة، وإن العواقب كثيرة منها اختراق خصوصية الفرد والأسرة والتعرف على شخصيات ليست أخلاقية، وإن بدأت في العالم الافتراضي بأنها خلوقة – فالكل يحاول أن يظهر نفسه بالمظهر الجميل- وتضييع الوقت لهذا الطفل أو اليافع والذي كان من المفترص أن يستغله في صالح دنياه وآخرته، ويجعله ضعيف التواصل مع عائلته، ومتدنيا في المستوى العلمي والدراسي لإهمال الواجبات، ولعدم تقنيين الوقت المستخدم لهذه الأجهزة، فهذه الأجهزة لها نصيب الأسد، وكذلك يجعله ضعيفا في علاقاته الاجتماعية، فتصبح علاقاته مع شخصيات في العالم الافتراضي فقط، ومن أثرها السلبي أيضا اختراق الخصوصية له ولأسرته، والتعرف على شخصيات بكونها مثالية على غير حقيتها في العالم الافتراضي، وهدره للوقت الذي يجعله يتكاسل عن القيام بواجباته الدينية، وكذلك تدني المستوى الأخلاقي لتقليده لشخصيات غير خلوقة، وإسرافه في المال؛ فمتابعة كل جديد يظهر على الساحة يجعله يقوم بشراء أشياء ليست من الضرورة في شيء.

أما عن كيفية تفادي مشاكل هذه الأجهزة الإلكترونية، وبرامجها ومنصاتها المختلفة لدى أبنائنا…
فعلينا أن نحاول أن نزرع في أبنائنا الوازع الديني والأخلاقي، ونذكرهم بأهمية الوقت، وبأن الإنسان محاسب على وقته يوم القيامة، فنحاول أن نخرجهم معنا في زيارات عائلية قصيرة ونحاورهم في شؤونهم و شؤون الحياة، وأن نجعل هناك جدولا بمهام الطفل الواجبة عليه، وأن نقنن له استخدامه لهذه الأجهزة، وأن نجعل له مهاما في البيت يقوم بها، فإن كان ولد ذكرا نحثه على الصلاة في المسجد، وإن كانت فتاة نعلمها أعمال المنزل، ونلعب معه ألعاب اجتماعية، ومن أدمن نحاول أن نخفف استخدامه لهذه الأجهزة تدريجيا، وننتشله منها بتقنين الوقت، والالتزام معه بجدول، وإن التزم تكن له جائزة ومكافأة وإن لم نتكمن من أخذه عن هذه الأجهزة بعد هذه المحاولات فنستعين بأخصائي نفسي يتابع معنا تدريبه، وإخارجه من هذا الإدمان.

إن الإدمان الإلكتروني يحارب مواهب الطفل وقدراته في جوانب الحياة، ولا نقول بأن نحرمه من هذه الأجهزة إنما نربيه على كيفية استخدامها الاستخدام الصحيح والمثمر، والمعزز لسلوكه والباني لمستقبله.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights