مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة عن النقص في موجودات الشركة في مفهوم قانون الإفلاس العماني الجديد
د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
كلية الزهراء للبنات – مسقط
اهتم قانون الإفلاس العماني الجديد بإشهار إفلاس الشركات التجارية؛ فخصص ما ينظم أحكام إشهار إفلاسها، الباب الثاني، الفصل السابع، في المواد من (187) إلى (202)؛ حيث يجيز إفلاس كل الشركات التجارية عدا شركة المحاصة. كما يجيز لكل دائن لم يستوفِ دينه أن يطلب إشهار إفلاس الشركة بعد تصفيتها، بشرط أن يتقدم بطلب الإشهار خلال السنتين التاليتين لشطبها من السجل التجاري. ونشيد هنا بموقف المشرع العماني، ونؤيده في المدة التي تبنّاها وهي مدة السنتين؛ فهي مدة معقولة لا هي طويلة كما في بعض التشريعات، ولا هي غير موجودة كما في بعض التشريعات الأخرى. كما يجيز المشرّع إفلاس الشركة الواقعية استناداً للفقرة (2) من المادة (188) من القانون.
والواقع أن قانون الإفلاس الجديد، قد بين الآثار التي يرتبها حكم إشهار إفلاس الشركات في المواد من (192) إلى (196). من أهمها: “مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة عن النقص في موجودات الشركة”، استناداً للفقرة (3) من المادة (193) من القانون والذي يجري نصها بالآتي: “وإذا تبين أن موجودات الشركة لا تكفي لوفاء (٢٠٪) عشرين بالمائة على الأقل من ديونها، جاز للمحكمة – بناء على طلب مدير التفليسة أو قاضي التفليسة – أن تقضي بإلزام أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين كلهم أو بعضهم بالتضامن بينهم أو بغير تضامن بسداد ديون الشركة كلها أو بعضها إلا إذا أثبتوا أنهم بذلوا في تدبير شؤون الشركة العناية الواجبة”.
ويلحظ من النص؛ أن المشرع العماني في قانون الإفلاس الجديد، يظهر فلسفة حديثة في حماية أموال الشركة. آيات ذلك:
1- أنه يجسد أحكام قانون الشركات التجارية التي تقرر مسؤولية أعضاء المجلس في أكثر من موضع، خذ مثالاً على ذلك، الفقرة (3) من المادة (147) من قانون الشركات التي تنص بأنه “ويكون أعضاء مجلس الإدارة ومراقب الحسابات – في جميع الأحوال – مسؤولين بالتضامن عن أي أضرار تنشأ عن تقصيرهم في عدم اتخاذ ما يلزم للحفاظ على رأس مال الشركة”، والمادة (206) من القانون ذاته التي تنص بأن “أعضاء مجلس الإدارة مسؤولون بالتضامن تجاه الشركة والمساهمين والغير عن الأضرار الناتجة عن أعمالهم المشتركة المخالفة للقانون، أو التي تتجاوز حدود صلاحياتهم وعن أي غش أو تزوير أو خطأ يرتكبونه في أثناء أداء مهامهم، وكذلك عن عدم تصرفهم تصرف الشخص الحريص في ظروف معينة”.
2- النص يقرر مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة عن النقص في موجودات الشركة عند تصفيتها، أي بعدما يتقرر إشهار إفلاسها، وتصفية أموالها، وتوزيعها. واستخدم المشرع عبارة “موجودات الشركة” وهو تعبير يجمع كل موجودات الشركة عند التصفية بعد جرد مالها من أصول نقدية وغير نقدية. وبعبارة أخرى، النص لا يواجه مسؤولية أعضاء المجلس أثناء حياة الشركة.
3- محكمة الإفلاس هي المحكمة المختصة أيضاً بإصدار حكم مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة بناء على طلب يقدَّم لها من مدير التفليسة أو من قاضي التفليسة. وبطبيعة الحال إذا أراد أحد الدائنيين تقديم طلب، فعليه أن يقدمه لأحد هؤلاء.
4- اشترط المشرع لتقرير مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة وفقاً للنص، أن يتبين عند التصفية أن موجودات الشركة لا تكفي لوفاء (20%) عشرين بالمائة على الأقل من ديونها. وفي رأينا، هذه نسبة متدنية من أصول الشركة، تدل على إهمال أعضاء مجلس الإدارة في إدارة الشركة، ورضاهم بحال الشركة ودون اتخاذهم أية إجراءات لإعادة هيكلتها إدارياً أو مالياً، أو اتخاذ أية سياسات مالية من شأنها تحسين أحوالها. ويترتب على ذلك أنه متى أسفر الجرد عن أن أصول الشركة تكفي لسداد (20%) عشرين بالمائة فأكثر، فلا تملك المحكمة عندها مساءلة أعضاء مجلس الإدارة، وإن كان من الممكن أن تقيم مسؤوليهم على أساس الخطأ في الإدارة، أو مخالفة أحكام القانون، أو بتجاوزهم لصلاحياتهم وفق أحكام قانون الشركات التجارية، أو وفق القواعد العامة في المسؤولية في ضوء قانون المعاملات المدنية.
5- لم يشترط المشرع – وحسناً فعل ذلك – ثبوت خطأ في حق أعضاء مجلس الإدارة، ومن ثم تقوم مسؤوليتهم بمجرد أن يُظهر الجرد عجزاً أو نقصاً بنسبة (20%) عشرين بالمائة فأكثر، ودون إلزام مدير التفليسة أو قاضي التفليسة إثبات الدليل على أن هذا النقص في الأصول كان بسبب خطأ أو إهمال من أعضاء المجلس.
6- في المقابل، مكّن المشرع أعضاء مجلس الإدارة ومنحهم وسيلة لدفع مسؤوليتهم، تتمثل في أن يثبتوا أنهم بذلوا في تدبير أصول الشركة العناية الواجبة منهم، والعناية الواجبة منهم يقصد بها العناية المنصوص عليها في المادة (206) من قانون الشركات التجارية العماني سابق الإشارة إليها.
7- إذا توافرت شروط مسؤولية أعضاء المجلس، فالمحكمة تملك سلطة تقديرية واسعة في أمور عدة، إما:
الأولى: أن تقرر مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة بكل ديون الشركة، أو تقرر مسؤوليتهم ببعض الديون، وتحميل الشركة باقي الديون، ووفق دور كل منهم في إحداث النقص.
الثانية: أن تلزم كل المحدَّدين بالنص بالديون، أو تختار بعض منهم فقط دون البعض الآخر، وقد تزيد من مسؤولية البعض وتخفف من مسؤولية الآخرين؛ بحسب دور كل منهم في تحقيق هذا العجز أو النقص.
الثالثة: أن تقرر مسؤولية أعضاء المجلس جميعهم بالتضامن فيما بينهم، أو بدون تضامن، إعمالاً لنص المادة (75) من قانون التجارة التي تنص على أن “الملتزمون بدَين تجاري يسألون على وجه التضامن ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك”.
مقالنا القادم – إن شاء الله – بعنوان “رسملة الديون كوسيلة من وسائل إنقاذ الشركات التجارية المتوقفة عن دفع ديونها”.