تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

همسات الليل وسكينة الفجر .. (2)

  ناصر بن خميس السويدي

نهضنا ببطء، وقد امتلأت قلوبنا بطمأنينة لم نشعر بها منذ زمن، تلك الطمأنينة التي تأتي عندما نتوقف عن ملاحقة ما نعتقد أنه بعيد، ونبدأ بتقدير ما نملكه الآن، وكما أن الشمس تُشرق كل يوم دون انتظار، شعرت بأن حياتنا يمكنها أن تتجدد في كل لحظة، إن أفسحنا المجال لأنفسنا للتوقف، والنظر، والشعور بعمق بما حولنا.

تركنا المكان، ونحن نحمل في قلوبنا ذلك المشهد الذي سيظل يرافقنا كذِكرى خالدة.

تركنا المكان بخطوات هادئة، وكأننا نودع لحظات لن تتكرر بنفس الشكل، لكنها ستظل محفورة في ذاكرتنا بعمقها وجمالها، ومع كل خطوة، كانت مشاعرنا تتوازن، تلك الرحلة التي بدأت بالبحث عن السعادة انتهت بإيجاد سلامٍ داخليٍ غير متوقع، كأننا عدنا إلى أنفسنا بعد غياب طويل، وقد تحررنا من عبء الانتظار والترقب.

وعندما نظرنا خلفنا إلى المكان للمرة الأخيرة، كان لا يزال يلمع بنور الصباح، هادئًا كما كان، كأنما يحتفظ بسره لأولئك الذين يعرفون كيف يستمعون لصوت الصمت في أحضان الطبيعة. وعدنا أنفسنا بأننا لن ننسى تلك الدروس البسيطة التي تعلمناها في تلك الليلة القمراء، ولن نغفل عن جمال التفاصيل الصغيرة التي تحيط بنا كل يوم.

انطلقنا نحو حياتنا المعتادة، ولكن هذه المرة بعيون جديدة، عيون ترى الجمال في الأشياء البسيطة التي كنا نمر بها دون انتباه، لم تعد السعادة مجرد هدف نطارد ظله، بل أصبحت حالة نعيشها في كل لحظة نفتح فيها قلوبنا لما هو حولنا، وكأن الليل والنهار تآمرا ليعيدانا إلى أنفسنا، لنعلم أن السعادة ليست وجهة بل هي الرفيق الذي يكون معنا دائمًا، إذا كنا مستعدين لرؤيته.

واصلنا المسير نحو حياتنا اليومية، وقد حملنا معنا شيئًا مختلفًا هذه المرة؛ لم يكن مجرد ذكريات ليلة ساحرة أو جمال الطبيعة الخلابة فحسب، بل كان ذلك الشعور العميق بالسكينة والامتنان، كل شيء من حولنا بدا مختلفًا، كأننا نراه لأول مرة. أدركنا أن السعادة كانت دائمًا هناك، بين التفاصيل التي غفلنا عنها في زحمة الأيام.

تغيرت نظرتنا للأشياء البسيطة، فصوت الرياح وهي تحرك أوراق الأشجار، ضحكات الأطفال العفوية، رائحة القهوة في الصباح حتى شروق الشمس اليومي الذي كنا نعتبره مجرد بداية ليوم جديد أصبح يحمل معنى أعمق، صرنا نرى الجمال في كل لحظة، مهما بدت عادية، تعلمنا من تلك الليلة أن الحياة ليست سوى مجموعة من اللحظات المتناثرة، وما يميزها هو كيفية عيشنا لكل لحظة منها.

ومع مرور الأيام، بقينا نعود إلى تلك الليلة في ذاكرتنا، كانت بمثابة مرسى لنا في بحر الحياة المليء بالتحديات، تذكرنا دائمًا أن نأخذ نفسًا عميقًا ونستمتع بكل لحظة كما هي، أصبحت تلك الليلة رمزًا لنا، رمزًا للسعادة التي كنا نبحث عنها بعيدًا، لنكتشف في النهاية أنها كانت أقرب مما نتصور، تنتظر فقط أن نفتح لها أبواب قلوبنا.

ربما لن تتكرر تلك الليلة كما عشناها، لكننا تعلمنا أن السعادة والسلام لا يحتاجان إلى زمان أو مكان معينين، بل يكمنان في قدرتنا على الاستمتاع بالحاضر وتقدير النعم التي تحيط بنا.

ومع كل يوم جديد، كنا نحمل في قلوبنا تلك الذكرى الحية، لا لنعود إليها هروبًا من الواقع، بل لنستمد منها القوة والإلهام لمواجهة الحياة، تعلمنا أن التوقف والتأمل لا يعني الهروب من المسؤوليات، بل هو لحظة استعادة للذات، لحظة تجديد للروح، صار كل يوم فرصة جديدة للبحث عن لحظات صغيرة تحمل نفس الإحساس الذي وجدناه في تلك الليلة القمراء.

وأصبحنا نبحث عن السعادة في ضحكات أحبائنا، في دفء العائلة، في حديث صديق صادق، وفي لحظات الصفاء مع أنفسنا، لم يعد شروق الشمس مجرد بداية ليوم عادي، بل أصبح رمزًا لبدايات جديدة، ولكل فرصة تتاح لنا لنعيش الحياة بعمق أكبر، حتى في الأوقات الصعبة، صرنا نعلم أن في نهاية كل ليل هناك فجر يلوح في الأفق، وأن السكينة ليست سوى قرار نصنعه بأنفسنا.

بتنا نعيش الحياة بوعي أكبر، بقلوب أكثر صفاءً وتفتحًا لما حولنا كل تجربة، سواء كانت فرحًا أو حزنًا، صارت جزءًا من رحلتنا نحو فهم أعمق لأنفسنا وللحياة، وكما علّمتنا تلك الليلة، السعادة ليست في العثور على الكمال، بل في قبول ما لدينا، في العيش بكل ما فينا من مشاعر، وفي تقدير كل لحظة، لأنها قد تحمل في طياتها معنى أعمق مما ندرك.

وهكذا، استمرت حياتنا، ولكن بروح جديدة، بروح وجدت السعادة في أبسط التفاصيل، ووجدت السلام في قلب الفوضى.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights