الصيام البارّ، واتّخاذ القرار
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
اتخاذ القرار عبارة عن قُدرة لدى الأفراد على المضيّ قُدُماً نحو شيء معين، أو توجّه معيّن، ويقوم على معتقدات معرفية من خلال تحديد الحلّ الأمثل من بين آراء ووجهات نظر مختلفة؛ لتحقيق أهداف معيّنة، وهناك فرق بين اتخاذ القرار الإيجابيّ والسلبيّ، فالإيجابي: يتضمن إنجاز وتفعيل المعتقدات والقيَم والأفكار، والسلبيّ: يتضمن عدم القدرة على اتّخاذ القرارات؛ نظراً لأن صانع القرار لا تتوافر لديه معلومات، أو لعدم الشغف في اتخاذ القرار وفقدان الحافز من اتخاذ القرار وبناء الرغبة؛ من هنا كانت أهداف الصوم وفوائده في حثّ الأفراد على الإقدام على أمور حياتهم وأمورهم الدنيوية.
ولعلّ ذلك يتّضح أكثر من خلال نظرة الإسلام للصوم على أنها عملية تدريبية أسمى في البحث عن التغيير الجذريّ لكينونة الأفراد وشخصياتهم، ويتمّ ذلك عن طريق تحجيم الغرائز والشهوات التي تقف عائقاً أمام الرؤية الحقيقية والنظرة الصحيحة لمُجريات الأمور، وذلك بالبحث والتفكّر والتأمّل والتدبّر الخالي من سيطرة الغرائز المضللة للحقائق، فيتعلّم الفرد من خلال الصوم وضْع أسُس بناء القرار الصائب واتخاذ خطوات فعليّة بحيادٍ وموضوعية.
بالإضافة إلى أن الصوم يهذّب الغرائز ويروّضها؛ فإنه يقلل من ويلات الصراعات النفسية التي تقف حاجزاً أمام القدرة على اتخاذ القرار، ولذلك لا بدّ أن يصل لكل فرد في هذا العالم، فالحكمة التي يصنعها الصوم في الإنسان هي أبعد وأعمق من مجرد الترك والمنع، فالصوم تربية بعيدة الأهداف تسعى للتغيير على كافة الأصعدة، وتبعث إلينا بمعجزة التغيير الذي يصوغ الإنسان ملامحه حسب قدراته المعرفية والمعلوماتية؛ فيوظفها وبكفاءة في اتخاذ قرار يهمه إزاء ضغوطات الحياة والمعيشة ومتطلبات حياته.
إن الصوم يربّي فينا القدرة على الإدارة والتخطيط والتحكّم في مجريات الأمور، وكما أن الصوم عبادة فهو قرار وريادة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له” رواه الترمذي والنسائي.
فالمسلم يبيّت النية بقرار، ويمتنع عن الطعام والشراب بقرار، ويفطر بقرار، ويبتعد عن المنكرات والشهوات بقرار. ومن هنا يتّضح لنا أن الصوم يبني شخصيات لها من القدرة على اتخاذ القرارات الحياتية المتّزنة بناءً على تربية رمضانية وصوم صحيح، وتوجّهات قانعة مقتنعة، تأخذ بالأسباب وتحسّن التوكّل على الله.