رمضانيات اليوم السابع: فلنعش معاً مع حكمة الصيام
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد،،،
فيا أيها الحبيب الصائم الكريم، اعلم أنّ ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعبادة من العبادات إنما ذلك لحكمةٍ تامةٍ بالغةٍ، ومن تلك العبادات صيام شهر رمضان المبارك؛ فالله هو الحكيم العليم في خلقه وشرعه وجزائه، وعلينا أن نعيش معاني تلك العبادة وحكمتها البالغة، ونذكّر بها بعضنا بعضا، ومنها:
– اعلم أخي الحبيب، فإن صيام رمضان عبادةٌ لله تعالى وحده، فنتقرّب بها إليه رغبة ورهبة بترك رغبات النفس من الطعام والشراب والشهوات، وهي خالصة لله تعالى وحده؛ ويتجلى بذلك صدق إيمان العبد وإخلاص عبوديته لربه، ومحبته له ورجائه لثوابه سبحانه؛ حيث إنّ الصائم التقي لا يترك ما يحبه إلّا لما هو أعظم عنده منه؛ فلنكن ممن صام وهو راغب وطامع فيما عند الله من أجر وثواب عظيم، مُتذللين له بهذه العبادة.
– ولنعلم بأنّ من حكم الصيام أيضا، أن ننال منه تقوى الله ونعيش معانيها، وذلك مصداقاً لما جاء في كتابه العزيز؛ حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}- [البقرة: ١٨٣]. وهذا هو المبتغى والغاية من الصيام الشرعي الذي يحافظ عليه العبد التقي من المفطِّرات، ومن قول الزور والعمل به، وقد جاء عنه النبي – صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)-رواه البخاري.
فاجتهد عزيزي الصائم بأن تصوم صوماً صحيحاً نقيّاً من الشوائب والشبهات.
– واعلم أيها الصائم، ومن الحكم الجليلة أنّ الصائم عليه أن يتخلّى قلبه للتفكر والذكر، ولأنّ الشهوات والملهيات هي من أسباب الغفلة، وقد يحصل بسببها قساوة القلب؛ ولهذا فقد أرشدنا حبيبنا – صلى الله عليه وسلم – إلى التخفيف من الطعام والشراب، فعن المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)- رواه ابن ماجه.
– وكما أنَّ من حكم الصيام أنّ الغني يعرف نعمة الله عليه من النعم الكثيرة التي لم يحصل عليها الفقراء والمساكين من مطعمٍ ومشربٍ وغيرها من نعم الحياة المادية؛ فيحمد كل غني الله ويشكره على تلك النعمة، ويتذكر إخوته الفقراء المسلمين فيتصدق عليهم، ويعطيهم من مال الله الذي آتاه.
فيا أيها الصائمون الأغنياء: تصدَّقوا على إخوتكم الفقراء في هذا الشهر الكريم، وأنفقوا عطاء من لا يخشى الفقر، وجودوا بالمال والخير على إخوانكم المحتاجين، وكونوا شاكرين لنعم الله عليكم، وتذكروا قوله – صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)-رواه مسلم.
– ومن حكم الصيام كما يقول بعض العلماء أنّه يضيق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش؛ فتضيق مجاري الشيطان في البدن، واستدلوا بما قاله حبيبنا- صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ)- رواه البخاري.
– ولتعلم أيضا أخي الصائم الكريم، كما أن من حكمة الصيام أنه يكسر قوة الشهوة وخاصة عند فئة الشباب، ولذلك أيها الشباب ومن في حكمهم، تذكروا حديث رسوله- صلى الله عليه وسلم-، واعملوا به، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)- رواه الشيخان.
نسأل الله أن نكون ممن يستشعر تلك الحكم العظيمة والجليلة من هذه الفريضة المباركة، وأن نعيش معانيها على أكمل وجه، والله الموفق، وهو المستعان.