د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
يحدد علماء النفس والصحة النفسية مفهوم الشخصية من خلال التكامل بين الوظائف والمكونات المختلفة كالجسم والنفس والروح والإطار الاجتماعي وغيره، كما أنه من المسلم به نفسيا أن الشخصية لا تتبلور إلا في مراحل عمرية معينة، وفي المقابل كانت مشروعية الصوم واجبة في مرحلة القدرة والعقل والبلوغ، ولا مانع من الصوم قبل مرحلة البلوغ، ولو بشكل متقطع كنوع من بناء الشخصية والتعود التدريجي على إتمامه وإتقانه؛ تمهيدا لإعداد شخصية متكاملة قادرة على التنفيذ والطاعة وتلبية الأوامر والنواهي.
والصوم له العديد من الوظائف النفسية كتقوية الإرادة والصبر والتحمل وضبط الذات والانفعالات، كما أن للصوم وظائف اجتماعية كالعطف على الفقراء والشعور بالآخرين والتكافل الاجتماعي، وهناك وظائف عقلية روحية وأخلاقية كالسمو بالنفس والترفع عن المعاصي والأخطاء، وكذلك وظائف صحية جسمية كالاهتمام بالجسم والصحة وتخليص الجسم من الشحوم والسموم والتخمة وممارسة الرياضة، ومضمون هذا كله هو الوقوف أمام شخصية متكاملة الأركان، سليمة الجسم والبنيان.
ولا شك أن الصوم مدرسة إيمانية إسلامية عظمى تربي وتعلم وتغرس في نفس المسلم بذور الشعور بالقيمة الشخصية والاجتماعية، فالصوم نظام عملي ودرس حياتي لتعليم وتكوين شخصية ذات طابع متكامل تتسم بتربية النفس على تكوين شخصية تجمع بين القول والفعل والعمل، وكذلك التفكير حيث تنمية الملكية الفكرية، وتوظيف القدرات العقلية في التمييز بينما هو صواب وما هو خطأ.
إن الصوم يرسي قواعد فكرية راسخة، ويقوي شخصية الفرد المسلم، ويشحذ همته ويهذب منطقه، ويحفظ لسانه وجوارحه وينمي وعيه وروحه تجاه التعاليم الربانية والتفكر فيها ومعالجتها معالجة حكيمة، وإذا ما تمعنا كل هذه الأمور والصفات لوجدناها نظاما ربانيا حكيما لتربية الشخص المسلم وبناء شخصيته؛ وهنا نلحظ أثر الصوم تربويا وخلقيا واجتماعيا ونفسيا وروحيا، ومن خلال هذا المنهج نقف أمام الهدف الأسمى من الصوم وهو التكامل في الشخصيه المسلمة، حيث استقامة السلوك وتثبيت وتقوية الهوية وتشكيل الشخصية. ومن هنا نلحظ دور الصوم في بناء وتكامل الأشخاص من النواحي المختلفة التي تشكل كاريزما التفرد والشخصية؛ والتي يلحظها كل من يتعامل مع الفرد المسلم المتخرج من مدرسة الصوم العُظمى، ومعه الشهادة العليا من المراتب الأخلاقية الدينية من تخصص الصوم الأعظم الذي أوجد شخصيات مؤهلة ومعدة من كل الجوانب، ومجهزة لأعمال الإنسانية التي يرتضيها المجتمع الإسلامي.
