2024
Adsense
مقالات صحفية

تبخر الوفرة، أَم استغلال الوفرة؟

محفوظ بن خميس السعدي

تتجدد آمال البشر مع كل سنة جديدة في أن تكون خطواتهم التالية تختلف عن خطواتهم في العام المنصرم، ومن ناحية اقتصادية لا بد من البحث عن مظلة اقتصادية يُتدثّر بها من سقيع الأجواء الاقتصادية في العالم، وهذه المظلة يجب أن تتوفر فيها الحماية الوقائية من الهزات الاقتصادية المتنوعة، كالكساد والركود أو انهيار العملة المحلية المرتبطة كُلياً أو جزئياً بعملة أجنبية. فمعظم الاقتصاديات الآن تبحث عن استثمار آمن ودائم ومثمر، ويجب أن يكون هذا الاستثمار مَبنياً على خطط منهجية مدروسة بدقّة متناهية، فلا يمكن أن نضع البَيض في سلة واحدة، علينا التنوع والتعدد والإثراء أيضاً، فالمال المستثمَر في المشاريع الوقتية قد يكون أسلم من الاستثمار في مشاريع شبه ثابتة، ولكن تًحرّكها بطيء جداً، وأيضاً آثارها قد تكون على المدى البعيد وليس القصير، من هذا المنطلق فإن الحلول والخيارات التي يوفرها الاقتصاد العالمي لبعض الدول محدودة جداً، فلا بد لتلك الدول أن تبحث عن الحلول الناجعة، لا الحلول السريعة واللحظية، وإنما حلول مستدامة، فعلى سبيل المثال:
عدة دول في شمال أفريقيا قامت بوضع وصفة جاهزة مبنية على أسس قديمة في حلحلة الوضع الاقتصادي المتأزم، وكان اللجوء إلى عملية بيع الأصول أو بيع إدارة الأصول العينية المملوكة للدولة، مما يعدّ ذلك مغامرة اقتصادية خطيرة في حدّ ذاتها ولها عواقب خطيرة. فاقتصاديات معظم البلدان اقتصادُ ريع إلا ما ندر، اقتصادٌ قائمٌ على قطاع هامّ واحد مثل قطاع التعدين، وحتى الدول التي تنادي صباح مساء بأنها تعتمد على السياحة كقطاع هام في الناتج المحلي القومي، تجدها تعتمد على أدوات بالية ومستهلَكة وغير مبتكرة في استجلاب عوائد من سياحة ظلت لسنوات على حالها، وبنفس الطرق، وبالتالي فإن أيّ عملية حسابية عن عوائد السياحة تؤكد أن هامش الربح لم يتغير.

أما الدول النفطية فمصيرها في المحصلة مربوط بتسعيرة برميل البترول عالمياً، وهو الذي يحدد مسار الاقتصاد والسيولة النقدية لديها.

فالنفط بكل مشتقاته يعدّ منجم الذهب الدائم لبعض البلدان التي تنتج كميات كبيرة من النفط، وبالتالي يعدّ زمن الوفرة من أفضل الأزمنة لدى تلك الاقتصاديات، ولكن عملية صرف هذه الوفرة على البنية التحتية واستكمال الدور التنموي، وكتوصيف دقيق: ما زالت بعض البلدان تصرف نصف ميزانياتها أو ما يُعدّ فائضاً من الميزانية العامة للدولة في بناء الطرق والجسور وتوسيعها، وأيضاً ترميم وجه الطريق المعبّد، فلا بد من استغلال وتوجيه الوفرة نحو بناء مشاريع ضخمة مثل مشاريع الاستزراع السمكي، ومشاريع المدن الصناعية التي تضم بين دفتيها مصانع تنتج سلعاً متعدّدة ومتفرّدة، بحيث يكون الترويج والإقبال عليها عالمياً قبل أن يكون محلياً. وباستغلال المكونات الطبيعية التي حباها الله لتلك البلدان، فالعالم فعلاً يتّجه نحو بناء مشاريع قائمة على الابتكار واستخدام التقنية العالية المتقدمة في مختلف نواحي الحياة، ومن ضمنها مشاريع متعلقة بالذكاء الاصطناعي. ولعلّ الحلّ يكمن أيضاً في بناء مصانع تنتج سلعاً استراتيجية ذات مردود وعائد مجزٍ على المدى البعيد، وذلك حتى لا تحدث المفاجأة بأن تتبخر الوفرة، وتكون مجرد قصة تاريخية نحكيها للأطفال قبل النوم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights