2024
Adsense
قصص وروايات

بعثرات شظايا عُزلة

هيثم بن حمد الجهوري

ويلك كم وفينا لك ولم أبرح مكاني منذُ عرفتك!
ويلك قَدستُ مجلسك حتى اعتزلتُ العالمين
ويلك كنتُ أبوح لك بكل ما يكتم أنفاسي
ويلك كنتَ سمير ليل شتائي الطويل
يعز عليّ مفارقة مجلسك وترك صحبتك بعد أن وجدت ذاتي في خلواتك.
لا تثريب عليك أنت من احتضن تقلبات تضاريس أفكاري وهواجس أحلامي
لا تثريب عليك أيقنتُ أن حملي أثقلُ من أن تحتويه
لا تثريب عليك لم أجد حضنًا يزملُني من كل ما يعتريني سواكَ.
كم كُنتُ أحتاج إلى العُزلة كم سُعدتُ بك كم تجردتُ من أعباء تثاقل بها رأسي وأغلال فُك قيدُها وسرتُ طليق الفكر
يغدو بالأمال ويروح  بالأمنيات وأنا بين يديك، لا أخفيك بأني وجدتُ نفسي في وجودك ربما لا يرحب بك الكثير والأكثر منهم من يظن زوراً وبهتاناً أنك الوجه الآخر للوحدة،
ما أجمل العُزلة! وما أَقبحَ الوحدة؛ فالعُزلة هي من يتيح لنا السماع لذواتنا من الداخل وهي المفتاح السري الذي يقودنا إليها ووحدها العُزلة من تكون شاهدةً على كل الصراعات التي نحنُ عليها وبين انكسارات وعظيم أمنيات حتى في أشد اللحظات فتكاً لم تبرح موقعها ولم يهزها ثقل ما نعانيه، أما الوحدة فهي مؤامرةٌ للهروب من الوجود والولوج إلى العدم.
لا بأس ربما طاب لي المقام فطال بي المكوث والآن لا بد من الشروع في إعمار الذات وترميم بنيانه
أجر حقيبة أسفاري وأرمشُ مدبرا  وهي تودعني بذات الهدوء الذي تم استقبالي به
كم أنتِ وفية لمبادئك كم يُبهرُني الأسلوب المتبع في التنقيب عن أغوار النفس وسراديبها
كيف لذلك الهدوء الذي يحتويك أن يلملمَ الفوضى العارمة في داخلنا ويعيد للنفسِ لمعانها
حاولتُ المُضِيَّ بعيداً بأقصر الطرق حتى لا أقع في فح الحنين مجدداً أدبرتُ وسيول الكلام موصولة بيننا تتناقلها أودية الأنفاس المبعثرة حتى وجدتُ نفسي على قارعة إحدى الطرق طال بي المسير حتى استندتُ كرسيًّا خشبيًّا يئنُ من تجاهل العابرين وأصابه الوهن من ثقل الأفكار وما يحتويها وهي تحطُ أثقالها في حجره
ارتميتُ أحتضنه لعلي أجد السبيل لمواساة نفسي في مواساته وضعت حقيبتي عن يميني فتشت في ما تحتويه محاولا تجاهل ضجيج الأفكار والتملصَ من زوابعها، أُقلبُ ما فيها من بعض  لباس المشاعر لعلها تواري نزيف الأحاسيس وقليلا من أطعمة الأمل لعلها تُعينُ على البقاء وبعضا من قطع الذكريات نزيّن بها أرواحنا
مسرعاً في محاولة ترتيب تلك البعثرة وإحكام إغلاقها وتركها حبيسة تلك الحقيبة تسندتُ رأسي وأخذتُ بين شهيقِ وزفير لكل ما يعتريني
حتى مر بجانبي مشاعل النور بل الضياء فخطف اللُب.َوالقلب قبل العين لأجدني مبهوراً بكل ما فيه طلتَهُ، حُسنَ مسيره هدوءَه والضياء الذي نشم عبقه
لم أتمالك نفسي إلا وأنا أُسرع الخطى حتى استوقفتُه
فقلت : من أنت؟
قال : ألست تراني؟
قلتُ: بلى، ولكن أجدك بعض ما فيّ
قال : وكيف وأنا عابر سبيل؟
قلتُ : النور الذي تحمله هو ما يُزيل عتمتي
قال بعد أن سحب أنفاسه :لا يغيرك الضياء فأنا أحملُ النور بين راحتي والعتمة لا تفارق أحشائي أهرب كثيراً ولا أجدُ ملجأً إلا النوم يحتويني لا أطيق البقاء أعشقُ التمرد وأعزف كوتر العود في يد أمهر عازفيه
قلتُ : نحمل الأوصاف ذاتها!!! من أنت؟؟
قال : مجرد مشاعل للضياء والنور…
قلتُ : بل النور ارتمى بحضنك والنور لا يليقُ به إلا نور
قال : اترك طريقي فالطريق طويل ولا تقوى المسير
قلتُ : لا تفترِ عليّ فأنا من كان بانتظارِك على قارعة الطريق
ترك معصمي وهرب مبتعداً أتبعه بأعلى صرخاتي مستجديا إياه أن يتوقف ليحملني إلى طريقي.
ارتفع صوتي حتى صحوت من غفوتي ليتها طالت وطال حديثنا ومن وقتها وأنا أقرب القُربات إلى النوم لعله يأخُذني إلى مشاعل النور والضياء…
كلام كثير حائر برأسي تمنيت لو طال المقام بنا.
ضياؤك أنار عتمتي تعال وبدد كل الظلام وحدك من يستطيع وحده نورك قادر على ذلك
هل سوف تعود؟؟
لا أرغب في الأبدية فهي معدومة
لمن يتقلبُ في الطُرقات
كم تتزاحم الكلمات على بابك تعال وافتح بابك لها فقد طال شوقها ألم تسمع نحيبها وهي تقرع الأبواب؟ تعال حتى أفرغ كلَ الكلماتِ وأمتعَ القلبَ بعظيم نورك
نورك الذي يقرأ الحروف التى هي حبيسة الحناجر
نورك الذي يُضيء شمولية الفكرِ ونضج الطرح والمعنى
نورك الذي أوصلني بك إلى حدود الهذيان
نورك الذي أوصلك إلى حد الاستبداد
نورك الذي يرفض أن يقاسمه أحدٌ في نوره
ستجدني في ذات الطريق وعلى الأريكة الخشبية نفسها… أنتظر طيفَ نورِك

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights