حاسة أخرى تشبهك
منال السيد حسن
الموتُ الحقيقي ألا يُفرق الإنسان بين موقعه بين الزهور وموقعه بين القمامة؟! ألا نُفرق بين أولئك الذين يحملون قلوبنا بين السحاب ويلقون بها فجأة في خضم صفعات تجعلنا نفقد قدرتنا على التمييز بين القلب الذي يعانقنا والقلب الذي يقمعنا، بين الأيدي التي تصافحنا والأيدي التي تصفعنا!!
الموت الحقيقي هو المساومة على العيش في عصر الجحود، أن تبقى معلقًا بين الصمت والبوح صمتًا، أن يصبح الحلم مشفى لأولئك الذين اتخذوا من الوهم ظاهرة صحية لهم.
(واسيني الأعرج) أفتى بأن الحب هو المعصية الوحيدة التي يغض الله عنها الطرف وهي تأخذ بفتاوى الأدباء. بات قلبها معلقًا به حد الثمالة، اقتحم صمتها فجأة وكسر تلال الجبن التي باتت تحوطها من كل دفءٍ يعتصرها، وتهرب منه على طريقة مخرجي الأفلام العربية.
حد العشرة أشهر في غيابه ظل كما هو بكل ملامح الجمال والدفء والعطاء الصامت، كانت تود أن تبقى بين طيات ملامحه كما نسف جسورها بنظرة في أول مرة رأته عيناها صدفه، كانت حريصة أن تُبقي كل شيء في داخلها، حتى تغير فيها كل شيء إلى أقصاه، طوال فترة غيابه تسبح كل يوم ليلًا في ملامح وجهه، ودمعة اشتياق حائرة في عينيها لا منها سقطت ولا منها تراجعت، وقفت بكل جبروتها في منتصف أشياء كثيرة لا تقوى على تحملها.
شهران ويمر عام على غيابك، يمر عام على آخر نظرة أسقطتها عيناك بمحض الوداع على ذاك الباب الذي شهد أقوى لحظات عناقنا وفراقنا.
أين جنونك القديم؟! تساءلت في غفلة من حنين، وبعض من خجل! أين أنت مني الآن؟! أما آن لنا أن نتعدى قضبان الخوف والعجز وأراك في جوف يدي تعانقها بعطرك المميز؟ لن يصدقني أحد إن قلت بأنني كنت أفكر بك في كل مرة في نفس اللحظة التي أجدك فيها أمامي، دائمًا تُبقي بقلبي عبيرًا للفرح.
رغم إيماني بأن اليقين ما هو إلا ادِّعاء وبأن كل شيء حولنا مشكوك فيه، وبأنه لا وجود للحقائق المؤكدة في هذه الحياة، ولكنني أدركك بحواسي كلها!
هل للحب رائحة؟! نعم رائحة لا تُميزها إلا امرأة تموت عشقًا كل يوم، لا أفكر في أسباب غيابك؛ ولكنني أمارس عاداتك كل يوم كي أشعر بك بين جنبات العقل والقلب والروح، بت من أشباهك في كل شيء، أمارس طقوس نومك اللذيذ كما يحلو لك، أتناول فطورًا خاليًا من نسب الدهون وأتناول غداء يحتوي على “الشوربة” كشيءٍ مُقدس في غذائك، وأحتسي كل يوم كوبًا من اللبن قبل النوم، أحاول أن استوعب كل هذا الكم من الجنون الذي تقحمني فيه يا رجلًا يجهل قيمة نفسه حين يكون سيد جميع النساء ولا يفهم منه شيئًا قط.
أتدري يا سيدي ما هو الغريب في الأمر؟! من غير المنطقي ألا تعرف نفسك قدر حقها، أتدري أنك حين تكون بجواري روحًا أشعر بعبق الأدب؟! وحين تلامسني سرًا أشعر بالحب ينطق لحنًا؟! وحين تصمت.. تصمت بخيلاء الملوك؟!
يا رجلًا مستحيلًا مستحيلًا، أشعر أحيانا بوجودك معي رغم غيابك، وأحملق فيك بدقة بالغة وتركيز يفقد عقلي على التفكير في شيء سواك، وأقترب وأعانقك دون أن أرمش، فتنام على كتفك رموشي، وأراك ترتجف فأخشى أن يكون الأمر محض جنون. تقتلني الغربة يا رجلا، لا لأحدٍ قدرة على فك شفرات صمته وشفرات جنونه حين يكون في عينيك دروبَ سفرٍ لا آخر لها.
كنت أؤمن بنفسي وبأنني لا أنتمي إلا إلى نفسي؛ حتى رأيتك وأزهرتني من جديد، وطهرتني من كل الذنوب السابقة العالقة كمخلفات آثمة تحوطني. جعلت مني امرأة كلها أنت ولا سبيل لها سواك، أعلن انتمائي لك وألعن كل انتماء لغيرك، سنلتقي قريبًا، أعدك، إنني على قدرة بالإحساس بالأشياء، يهبني الله القدرة على ذلك، يمنحني صبرًا أعجميًا غريبًا يفوق صبر أيوب.
هل ظننت بأنني لن أجيء؟ أعدك سنلتقي!