شوال.. الكمال والجمال
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
سرعان ما انتهى شهر الطاعات والخيرات والبركات، وما هو إلا أيام معدودات، كما أخبر الله تعالى في قوله:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}. (البقرة من الآية: 184).
ويعد شهر شوال استكمالا لموسم الخير الوفير الذي عمَّ البلاد والعباد منذ قدوم شهر رمضان المبارك، إنه شهر كمال الأعمال وإتمام نقصانها، وجمال الروح وعلو إيمانها، وقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على إرشاد أمته نحو نيل الثواب العظيم بعد انتهاء شهر رمضان من خلال صيام بعض أيام من شهر شوال؛ وذلك فيما رواه أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:” مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”. (مسلم:1164).
وفي هذا الحديث بيان لعظيم فضل الله تعالى على عباده المسلمين من خلال مضاعفة الأَجر لهم، فالله تعالى يضاعف الأجر لمن يشاء من عباده، يقول سبحانه وتعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}. (الأنعام من الآية:160).
ولما كانت الحسنة بعشر أمثالها؛ فإن صيام رمضان يعدل عشرة أشهر، وصيام ست الكمال من شوال يعدل شهرين، وبهذا يكون الصائم قد نال الأجر العظيم بإتمامه صيام السنة كلها، ومَن حرص على ذلك كان كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ” كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”.
والمسلم بعد انقضاء شهر رمضان يكون بحاجة إلى إعادة بناء نفسه من خلال رسم معالم واضحة يسير عليها حتى رمضان القادم؛ من أجل المحافظة على تقوية إيمانه، وتقربه إلى ربه سبحانه وتعالى من خلال فعل الطاعات وضمان الاستمرار على ذلك، وقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:”أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- سُئِلَ أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: أَدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ”.(مسلم:782).
وهذا الحديث يبين لنا أنَّ العَمل القليل الدَّائم الذي يفعله المسلم ويحرص عليه خير من الكثيرِ المنقطع.
وتأتي أهمية شهر شوال من حيث إنه يلي شهر الاجتهاد في العبادات والطاعات، وما أشد احتياجنا إلى المحافظة على ذلك!، فقد عشنا رمضان صائمين قائمين إيمانا واحتسابا لرب العالمين، ونبتغي الثواب والأجر الوفير، وحرصنا على اتباع نهج النبي – صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، وبقي أن نبحث عن سبل تحقيق رمضان فينا طوال العام؛ ومن ثمَّ يصبح عامنا كله رمضانيا، ونحن -بإذن الله- قادرون على تحقيق ذلك.
ومن معالم هذا الثبات على الطاعة بعد رمضان -وبعد الحرص على صيام ستة منه- أن ننظر أحوالنا ونتابعها فيما يأتي:
• حالنا مع الصلاة فرضا وسنة.
• حالنا مع الزكاة والصدقات.
• حالنا مع الحج والاستعداد له. ( لمن كتب الله تعالى له ذلك).
• حالنا مع صيام التطوع.
• حالنا مع القرآن.
• حالنا مع الذكر والاسنعفار.
• حالنا مع المعاملات.
ومن دلائل قبول العمل الصالح الاستقامة عليه، فهو شجرة طيبة إن أردنا قطف ثمارها وجني خيرها فلنرعها ولنعتنِ بها من خلال المتابعة والاستمرار على الطاعات وأعمال الخير عامة، فمن علامات قبول الطاعة أن يهيئنا الله تعالى ويوفقنا لعمل طاعة أخرى بعدها، ونحن بعد رمضان بحاجة ماسة إلى طاعات وطاعات؛ لعل الله تعالى يتقبل منا ويقبلنا، ويجبر كسرنا؛ فلننهض ولننتفض خلال شهر شوال نجدد إيماننا، ونشحذ هممنا، وننظر أحوالنا، ونعد أنفسنا للسير على الدرب المستقيم؛ فإنه -حقا- شهر الكمال والجمال.