مقتطفات من إدارة الموارد البشرية (الاحتراق الوظيفي)
د. مسلم بن سالم بن محمد الحراصي
باحث في الموارد البشرية والقضايا التربوية
يأتي الاحتراق الوظيفي ضمن أحد العوارض التي تواجه الموظفين في بيئات العمل والتي يجب أن يُحسِنوا التعامل معه والرقي في مواجهته؛ لأن استمراره لدى الموظف يتراكم شيئاً فشيئا حتى يصل إلى مستويات كبيرة ومتعمقة بدرجة عالية لا يمكن التعامل معها والخروج عن الإطار السليم، وعلى الموظف حينما يشعر بالدخول في المراحل الأولى من الاحتراق الوظيفي أن يضع بعض الإجراءات اللازمة والضرورية كضبط النفس أو الاحتكاك بذوي الخبرة والمختصين، والاحتراق الوظيفي هو عبارة عن حالة من الإجهاد الوظيفي التي يعاني منها الموظف نتيجة لأحداث وظروف داخل بيئات العمل، أو قد تأتي من الخارج فتؤثر في الداخل ثم تتراكم مُشكّلة صورة سلبية في ذاتهم ونظرتهم نحو العمل، وهذا يؤثر في الإنتاجية والأداء وعلى الإنجازات التي يحاول الموظف تحقيقها، ومن ثم فقدان الرغبة تماماً في إنجاز الأعمال الموكلة إليهم بطريقة إيجابية وصحيحة، كما أنه لا يستطيع القيام بعمليات التحسين والتطوير الوظيفي، سواء التطوير الذاتي أو التطوير في التقسيمات والدوائر التي يعمل فيها وصولاً إلى الإخلال ببعض مهامه واختصاصاته الوظيفية، ولربما يصل إلى تدني خدمات المؤسسة التي يعمل فيها.
وتبدأ حالة الاحتراق الوظيفي بشيء من التدهور والضيق والاكتئاب التي يشعر بها الموظف اتجاه التعامل مع الوظيفة والمهام التي أوكلت إليه، ثم يمُر بحالة من المقاومة التي يحاول أن يتخلص منها وكلما أحسن اختيار الخطوات الصحيحة والمدروسة بمهنية زادت فرصة الخروج، ولكن في المقابل إذا لم يستطع مقاومة الاحتراق الوظيفي يتحول إلى مرحلة الإنهاك والتدهور وهي مرحلة الإرهاق البدني والنفسي والإحساس بالتراجع شيئاً فشيئا حتى يصل إلى فقدان الهوية، وعدم حب العمل، والانطواء، والانعزال.
الجدير بالذكر أن للاحتراق الوظيفي عدة أبعاد مختلفة تتمثل في: الإجهاد الوظيفي، واستنفاذ الطاقة، والشعور بعدم الثقة بالنفس، وانخفاض الروح المعنوية، وعدم الإنسانية في مواجهه الآخرين، والقسوة في التعامل مع المراجعين المستفيدين من بعض الخدمات المقدمة من قِبل المؤسسة، كما أنه من أكثر العوامل الداعمة لشعور الموظف بانخفاض كفاءته العملية وأنه لا فائدة منه في بيئة العمل، وما يقوم به مجرد قضاء وقت دون جدوى، علاوة على الشعور بأنه غير جدير بالإنتاج والقيام بأي شيء ويشك في إمكاناته وقدراته، ويصبح متردداً لتنفيذ أي مهمة تسند إليه، ومن أهم أسباب الاحتراق الوظيفي زيادة المهام والأعباء المسندة إلى الموظف، وقلة التدريب؛ مما يحدث نقصا في المعارف والمهارات وانخفاض الثقة بالنفس، وانعدام العدالة الوظيفية، وعدم اعتبار الموظف في بناء الخطط وحل المشكلات واتخاذ القرارات، والصراع من أجل الظهور وإسقاط الآخرين، وحب الذات للوصول إلى المناصب والقرب من الإدارة العليا ومن متخذي القرار.
ولعلاج الاحتراق الوظيفي في بيئات العمل يجب مراعاة عدة جوانب، ومنها: عدم تكليف الموظف بالأعباء الزائدة عن قدراته وإمكاناته، وتقديم التعزيز المادي والمعنوي، ومشاركة الموظفين في اتخاذ القرارات وحل المشكلات التي تواجههم وتواجه المؤسسة، وتقوية الروابط الاجتماعية، والاندماج بين الزملاء كأحد الجوانب المهمة والرئيسية التي تقلل ولربما تنهي الإصابة بالاحتراق الوظيفي، إضافة إلى ذلك الإنصاف والعدالة بين جميع الموظفين. وفي الإجمال، من واجبات القيادات الإدارية توجيه الموظفين إلى العمل الجماعي وعدم الفظاظة في التعامل مع الزملاء والمراجعين، وانتهاج سياسة التجديد مع إتاحة الفرص لهم، وتحبيب العمل لديهم، وإخضاعهم للدورات التدريبية والبرامج وورش العمل الداعمة لرفع مستوى مهاراتهم وتقوية شخصياتهم ودعم الثقة بأنفسهم؛ وصولاً نحو رفع الأداء الفردي والمؤسسي، واستطاعة المؤسسة تقديم أفضل الخدمات للمستفيدين والفئات المستهدفة.