جرأة طبيب..
شريفة بنت راشد القطيطية
الخروج من البيت، عصف الخفقات، سحب قدميك إلى باب يفتح بالكهرباء، إظهار هويتك وإدارج بياناتك في الجهاز، وبكل هدوء لدي موعد في قسم الباطنية..
رقم هاتفك.. أجل، هو موثق لدينا، عفوا، إنه للتأكد _ بابتسامة ملأت وجهه_ التقدم نحو القسم وإظهار ما يثبت ومقعد الانتظار، والفارون من المعارك جميعهم ستجدهم يتعاطون الدهشة بين الممرات وباحة الأقسام، الكل لديه وجع خبأه ليوم كهذا يمر بلا استسلام، ويترك الإبهام لشيخ كبير يقوده خمسة أصابع صغيرة وتساعدك على الجلوس للانتظار، الوقت يعدو إن أردناه، وإن لم نرد يطوق عنقك بحبل الملل وأكل الأظافر.
يعدو حصاني وسط حقول يملؤها الزنبق، ويتعرق خوفا من سد طريق النهاية، وأخيرا أسمع اسمي كمقام عراقي، وأقفز منتفضة ويهرب الحصان ويتطاير الزنبق!، وتجد نفسك على مقعد مقابل للطبيب، مما تشكو؟ ويطلب إجراء لجميع الفحوصات، للغرفة رقم واحد الاتجاه، والسير إليها يتباطأ ويثمل وألقي نظرة للداخل، وأظن أن النحل أضاع خليته هناك.
ألتقط الأنفاس مجددا وأدخل وكل من تكلمه مستنفر.. كأنهم مستقبلون جرحى حرب، وبين السجال يظهر طبيب هادئ ووجهه مبتسم..
_تفضلي
_ستأخذين عينات للدم
وستأتي الممرضة لأخذها؛ لأننا متدربون هنا..
يعود السجال ذو سخرية وقلبه حقود، وأرد عليه مستهزئة سأنال منك، فقط انتظر.
الطبيب يراقب توتري ويعبث بالوقت ليأتي من يأتي .. أخذ ثقله وأحضر لي الممرضة وتكلما بالإنجليزية ظنا منهم أنني لا أفهم ..إنه يتربص لها لتنتهي من معاينتي ، وهي تقول له أن يقوم بذلك العمل، كأنها تقول له أثبت مقدرتك، أحضر الإبر والقطن والأنابيب الصغيرة الملونة الرؤوس، وأخذت العينات من دمي وكأنه يقول ستكونين بخير، أكمل لا تخف أنا بخير..ووجهه الممتلئ بالبشر والبراءة ممتاز في جودته، يتراقص كالياسمين حر يشذي الغرفة رقم واحد .
ماذا عن الطاقم الصحي؟ أتساءل في نفسي، إنه يستولي على ضغط جسمك ويرفع من مستوى سكرك في الدم، ويزيد لديك الأدرينالين، ويتركك تتمنى الرحيل بأي حيلة.
ماذا عن الطبيب وجرأته التي ترفعك فوق الغيم وتعطيك أمل البقاء رغم الزحام ليطمئنك على صحتك.
ماذا لو كان الجميع بهمة ذلك الطبيب وجرأته وثقته بأهمية المريض ليكمل عمله؟، ستكون العملية سهلة، تأتي إليهم مريضا وتخرج معافى بلمس مشاعرك بيد ذات دفء ووجه ذي بشر.
في نهاية المطاف وبين الصد والرد، وبين ردهات المشفى جميعها وسقوط ألف مرض من عافيتي تظهر نتائج الفحوصات، وحكمت المحكمة ببراءة المريض من أي علة، كيف وأنا من يشكو من كل ألم؟!، وأخرج دون أي قرص دواء.