مناسبة الإسراء والمعراج
درويش بن سالم الكيومي
-27 من شهر رجب رحلة تشرف بها سيدنا (محمد) عليه أفضل الصلاة والسلام- تعد ليلة الاسراء والمعراج من المناسبات النبوية العطرة والتي تشرف بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهي من الأحداث البارزة في تاريخ الدعوة الإسلامية وقد آمن بها كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأن الله عز وجل أرسل سيدنا محمدا مع رسوله جبريل عليه السلام في ليلة واحدة، وفي الحقيقة بأن كل الدول العربية والإسلامية تحيي ليلة 27 من شهر رجب بالصلاة والمحاضرات والذكر والتسبيح والصلاة على النبي ومضاعفة بها الطاعات لكونها ليلة تعد معجزة قبل أن تكون مناسبة فهي من خيرة المكارم التي حظي بها سيد البشرية في حياته. فلا يمكن بأن نصف قدرها بالكتابة والتعبير والنشر بل هي سيرة عطرة نال شرفها الحبيب المصطفي الذي كان خلقه القرآن الكريم كما وصفته لنا السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وها نحن اليوم نحتفل بالمعجزة العظيمة التي كانت له هدية من رب السماء والأرض أنها رحلة الإسراء معجزة من الدرجة الأولى، ولا يمكن وصفها هكذا فمن هيبتها يقف التعبير وتعجز الكلمات وتتلعثم الألسنة عن حدث في ليلة واحدة. فيحاول كل كاتب أن يبدع وكل متحدث أن ينال الأجر والثواب.
إنها رحلة لا جدال ولا نقاش فيها بين عامة المسلمين ممن هم صدقوا بالرسول الكريم وسوف نذكر بالدعاء الشهير الذي دعاء به سيدنا محمد (اللَّهمَّ إليك أشْكُو ضَعْفَ قوَّتي، وقِلَّةَ حِيلَتي، وهَواني على النَّاسِ، يا أرحَمَ الرَّاحمينَ، أنت أرحَمُ الرَّاحمينَ، وأنتَ ربُّ المسْتَضْعَفين، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى عدُوٍّ يَتَجهَّمُني أمْ إلى صَديقٍ ملَّكْتَه أمْري؟ إنْ لم تكُنْ غَضْبانَ علَيَّ فلا أُبالي، غيْرَ أنَّ عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعوذُ بنُورِ وَجْهِك الَّذي أشْرَقَتْ له الظُّلماتُ، وصلَحَ عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ؛ مِن أنْ يَنزِلَ بي غضَبُك، أو يَحِلَّ بي سَخَطُك، لكَ العُتبَى حتَّى تَرْضَى، ولا حوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ).
مجموع رسائل العلائي (1/ 346).
ومن المواقف التي رآها سيد الخلق في رحلة السماء برفقة أمين الوحي جبريل عليه السلام، أن الله عز وجل اختص النبي محمدا (ص) بالكثير من المعجزات الحسية والربانية منذ أن كان صغير السن حتى بلغ الأربعين فبعثه صلى الله عليه وسلم رسولا لأهل الخير ونذيرا لأهل الضلال في الأرض، وكانت بداية رحلته الرؤيا الظاهرة فلقا لأنوار وعالم الحس والخيال كان يحبب إليه الخلاء، يتعبد في غار حراء مجرى نزول الوحي، حيث نزل عليه القرآن الكريم في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، وجاءه الملك جبريل بهيئته وإجلاله فقال له اقرأ فرد عليه الرسول الكريم ما أنا بقارئ فرددها عليه ثلاث مرات بالإضافة إلى المعجزات الأخرى التي أيده بها الله تعالى في إظهار الصدق بنبوته ومنها معجزة الإسراء والمعراج التي تحتفل بها كافة الدول العربية والإسلامية والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كل عام من شهر رجب الهجري. ولما أراد الله تعالى إظهار منزلة الرسول شرفه بآيات الإسراء التي بدأ بها رحلته من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقضى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين قال تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” سورة الإسراء الآية رقم (1) فقد انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم ركبا دابة (البراق) إلى المسجد الأقصى في فلسطين برفقة أمين الوحي جبريل عليه السلام وعندما وصل ذلك المكان الطاهر التقى الرسول هناك بإخوانه الأنبياء عليهم السلام حيث صلى بهم في المسجد إمامًا وفي ذلك دليل على فضل الرسول وعلو منزلته وقدره بين إخوانه الأنبياء وكذلك على مكانة المسجد الأقصى في الإسلام فهو أولى القبلتين وهو أحد المساجد التي يقصدها المسلمون للعبادة. وقد صعد الرسول صلى الله عليه وسلم من الصخرة القريبة من المسجد الأقصى بصحبة سيدنا جبريل عليه السلام إلى السماء السابعة قال تعالى “ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى” سورة النجم (13 : 15) حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة وما بها من نعيم ورأى النار وما بها من عذاب وسدرة المنتهى هي الشجرة العظيمة بالغة الحسن والجمال وجنة المأوى التي تأوى إليها الملائكة الشهداء المقربون.
وأيضا التقى الرسول عليه السلام في كل سماء عرج إليها إخوانه الأنبياء ورأى جبريل عليه السلام على هيئته التي خلقه الله عليها وفي تلك الرحلة فرض الله تعالى عليه وعلى أمته الصلوات الخمس التي يحافظ عليها كافة المسلمين. وبعد تلك الرحلة المشرفة رجع الرسول الكريم إلى مكة المكرمة في ليلته التي أسري به فيها، فلما أصبح أخبر قومه بما حدث له وما رأى في تلك الرحلة فكذبوه وطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس فوصفه لهم وصفًا دقيقًا ووصف لهم قافلة تجارية كانت قادمة من الشام إلى مكة المكرمة وأخبرهم كذلك بوقت وصولها ولكنهم بقوا على الضلال والكفر، أما المؤمنون حقا فقد زادتهم تلك المعجزة شرفا عظيما ومنزلة وإيمانا وثباتا على الدين الإسلامي فقد ذهب المشركون إلى أبي بكر الصديق وأخبروه بما حدثهم به رسول الله فرد أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن قال فقد صدق فقالوا له: أتصدقه؟ فقال لهم نعم أصدقه فيها فهو أعظم من ذلك، أصدقه في الخبر يأتيه من السماء، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا ( محمد ) خاتم الأنبياء و المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وبهذه المناسبة العطرة وعبر صحيفة النبأ الإلكترونية، نهنئ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه والأسرة المالكة الكريمة وكافة الشعب العماني ونحن نتضرع إلى الله القدير بأن يعيد هذه المناسبة الغالية وأمثالها على جلالة السلطان أعواما عديدة وهو ينعم بثوب الصحة والعافية إن شاء الله.
وكل عام وأنتم بألف خير.