“جاء مختلفًا”
مريم الشكيلية
هذا الشتاء لا يشبه تلك الشتاءات المسجلة في ذاكرة السنوات؛ جاء مختلفًا في كل شيء. جاء خاليًا من الأحاديث الطويلة ومن ضجيج الأسواق القديمة والطرقات الضيقة المبتلة بالهطول المستمر للمطر، وجاء بصور فناجين القهوة لا بمذاق البن الممزوج بأبخرة الصبح.
أبحث عن رفرفة أوراق الكتب في موائد المكتبات وعلى ضفاف الجسور؛ كان للشتاء كتبه المعنونة به ونكهته المفضلة برسائله المزدحمة في صندوق البريد، وفي أسلاك الهاتف وذبذبات الرنين.
لم يأتِ الشتاء وصحف الجرائد تضج بأكشاش الأسواق، وعلى سطورها أبيات قصيدة وأحاديث أدبية تفوح منها حبر الأقلام الحالمة. أرهقنا بتوافد عناوين الأخبار الصادمة والمتعبة، ورائحة الدماء تعلق في خياشيمنا وتتراكم في هواتفنا.
بساطة الشتاء تنوب عنها صور بلا حياة لموقد ومقعد خشبي، وزهرة توليب مصفوفة على زاوية مقهى بلا زوار .. غاب الشعور بدفء البيوت الممتلئة والموائد الممتدة بصخب الحديث، ورغيف خبز، وموسيقى المطر العازف على زجاج النوافذ، وأثواب الأطفال المغسولة، والوجوه المرتجفة بالبرد.
نَحِنُّ إلى صوت تراتيل الآيات القرآنية وسحر الأدعية النورانية التي تصدح في صباحات الشتاءات الباردة حين تسير في الشوارع، وعلى مقربة من أجراس الكنائس صوت فيروز ومشاتل الورود.
مادية الأشياء جمّدت جمالية الإحساس بالأجواء الماثلة للشعور.