مونديال قطر إرْث الأجيال ومستقبل الاستِدامة
أ. هادي أحمد العبدو
على دولة صغيرة بمساحة 11،581 كيلومتر مربع وعدد سكان بـ 2.747 مليون نسمة نعيش حدث فريد من نوعه في تاريخ الأحداث الرياضيّة الكبرى وكأس العالم لكرة القدم. ضَجيج إعلامي وحالة شعبويّة؛ وشعور عميق بالأهمية بألا تكون الأحداث العالمية كبيرة فحسب بل يجب أن تكون أيضًا واعية اجتماعيًّا وبيئيًّا، كما يمكن اعتبارها فُرصًا رائعة للترويج للمدن والمجتمعات المستدامة.
وبعيدًا عن التنبوء بحامل اللقب الجديد وعن استعداد رونالدو وميسي لهذه الملحمة الكرويّة فإنَّ أحد الجوانب الرئيسية التي يجب مراعاتها هو استِدامة الحدث لترك إرْث إيجابي دائم بعد مرحلة ما بعد البطولة من خلال البُنية التحتيّة، والتعليم ودعم الابتكار، والتفاني في تحسين رفاهية العمال لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المُستدامة، وتماشيًا مع ذلك تقوم استراتيجية الاستِدامة في مونديال قطر 2022 على خمس ركائز: البشرية، والبيئيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والحوكمة بما في ذلك حقوق الإنسان، والتنوع وحماية البيئة بالإضافة إلى 22 هدفًا متعلّقًا بالاستِدامة.
وتتركز قِيمة كرة القدم في تعزيز التنمية المستَدامة والسّلام والتسامح والتعايش، والإدماج والعمل المناخي للتأكيد على أهمية الوحدة للأفراد والأمم. وتحثُّ الجميع على استخدامها من أجل مستقبل أفضل لكل من الأجيال الحالية والمقبلة والحاجة إلى تحقيق أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر لإنشاء كوكب أكثر استِدامة وسِلمًا وازدهارًا للبشرية جمعاء.
وعلى المستوى التطبيقي استطاعت قطر تحقيق أهداف الاستِدامة، وحماية البيئة إلى حد كبير في جميع مراحل مشاريع البنية التحتيّة اللازمة لاستضافة الألعاب، بما في ذلك الملاعب الثمانية للكأس؛ حيث أن جميع الملاعب حصلت على شهادة “جي ساس / GSAS” (نظام تقييم الاستِدامة العالمي). تتكون الشهادة من نظام متكامل لتقييم المباني الخضراء وأعمال البنية التحتية وتأثيراتها البيئية، والهدف هو تعزيز الممارسات المستَدامة في مختلف مراحل البناء من التصميم إلى البناء إلى مرحلة التشغيل، وتحديد التحديات المرتبطة بالاستِدامة في الأعمال ومُراعاة التأثير على البيئة المحليّة.
كما أنّ ملاعب المونديال حصلت على فئة الخمسِ نجوم في التصميم والبناء، وحصلت على التصنيف ((A)) في إدارة أعمال البناء، ويُلاحظ استخدام المواد المعاد تدويرها لبناء الملاعب.
وفي تصميم ملعب أحمد بن علي بلغت المواد المعاد استخدامها 90٪ من الإجمالي المستخدم في أعمال البناء، أمّا ملعب 974 تم تصميم الاستاد بطريقة فريدة من نوعها باستخدام 974 حاوية شحن ووحدات بناء قابلة للفك، حيث من المقرّر أن يتم تفكيكه بالكامل بعد انتهاء البطولة، حيث سيصبح أول ملعب يتم تفكيكه بالكامل في تاريخ كأس العالم FIFA، كما سيتم التبرع بألف مقعد ملعب عند اختتام البطولة للدول التي تفتقر إلى البنية التحتية الرياضية كجزء من خطة إرْث المونديال، وسيتم تخفيض سِعة العديد من ملاعب كأس العالم بمقدار النصف لتتماشى مع الحضور في مباريات كرة القدم القطرية المحلية.
وتجدر الإشارة إليه حصول الملاعب على شهادات كفاءة الطاقة، حيث تم النظر في الطاقة النظيفة في مرحلة التصميم، مما يعني أنها تستهلك ما يصل إلى 40٪ طاقة أقل من الملاعب الأخرى في جميع أنحاء العالم. كما تم استخدام تقنية إضاءة LED فريدة من نوعها، والتي تتميز بمتانة أكبر واستهلاك أقل للطاقة؛ مما سيوفر استخدام المصابيح الموفرّة للطاقة في جميع ملاعب كأس العالم ثلث الطاقة التي تستهلكها أنظمة الإضاءة والإضاءة الكاشفة العادية. سيؤدي ذلك إلى تقليل استهلاك الكهرباء بشكل كبير كجزء من خطة الاستِدامة والعمل على أفضل ترشيد لاستهلاك الكهرباء في البطولة.
أمّا المياه المُستخدمة في ري المروج يتم إعادة تدويرها ومعالجتها، كما تضمنت تدابير التخفيف من حدة المناخ في تكييف الهواء في الاستاد الذي يعمل بالطاقة الشمسية، وتنامي العشب والأشجار المرويّة بمياه الصرف الصحي المعالجة لامتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وزراعة أكثر من 5000 شجرة في الملاعب الثمانية المخصّصة لاستضافة كأس العالم، بالإضافة إلى الحدائق التي تحتوي على نباتات إقليمية ذات استهلاك مُنخفض للمياه.
ولعل من المفيد أنْ نؤكد على أهمية ودور المنظومة العالمية لتقييم الاستِدامة “جي ساس/ GSAS” _في جهود قطر _ وهو أول نظام متكامل لتقييم الأبنية الخضراء ومنشآت البُنية التحتيّة وآثارها على الاستِدامة البيئيّة على أساس معايير الأداء الموضوعي في المنطقة. ويهدف إلى تعزيز ممارسات الاستِدامة في مراحل البناء المختلفة بِدءًا بالتصميم مروراً بالتشييد ثم التشغيل مع تحديد التحديات المرتبطة بالاستِدامة في عمليات البناء في ظل البيئة المحيطة.
ويعتبر نظام “جي ساس/GSAS” الأكثر تطبيقاً في قطر الآن، فقد أصبح يستخدم لتقييم المباني الجديدة في جميع أنحاء البلاد، وهو أحد الأمثلة الواضحة على إرْث المونديال.
واستخلاصًا لِما سبق حوّلت قطر _ اليوم _ ما كان مُستحيلاً إلى ما هو مُمكناً، ونجحت بامتياز في تحقيق تطور تاريخي وتنموي مستَدام، وتركت رسالة خالدة، ومستقبل يُلهم الأجيال الحاضرة ومجدًا للأجيال اللاحقة.