الصمت ..أعشاش خاوية
شريفة بنت راشد القطيطية
إلتقاطات النفس تدعو للصمت، وتثير التعجب، كم ملأتني الدهشة حين لم يتبق غيرها للتعبير، توقف الزمن وتعمد بسرد حكاية حياتي في شريط سينمائي مؤثر، وكم إبتلعت التكتم والغرور والتضحية كوني أول النساء تستقبل الخذلان بمحض إرادتها.
صوت الخذلان يأخذ النهار إلى أعشاش خاوية، ويأتي به إلى فيصل الصمت والحكمة، ويخنق الهواء قبل أن يصل إلي وأتنفسه، فلا جدوى من الحكمة ولاحكمة في ذلك الوقت، كم إنتابني الإحتقار والصدمة وٱثرت الهجوم على الصمت، وخبأت طفلتي التي في داخلي بين سطور الذكريات وجدران الأمان المزعوم لخلفة البلاهة التي شعرت بها وقت إرتطام الألسنة وهدير الغضب، كم أحسست بأكبر خسارة لإنتمائي لحياة أخذت كل أحلامي وإختزنتها في صمت المجهول، وكم تمردت لكسر الصمت وذلك المجهول المبهم، وهددت الدمع إن خرج سيقتل!، وإن إستقام الحال لن أندم على صمتي المعلق منذ ربع قرن.
الإحترام يفرض نفسه بين الأشخاص الذين يقدرون الكرامة والإنسانية، ويدركون ان الكيان الٱخر له قدسيته ومشاعره وأحاسيسه التي يجب أن تحترم، وإلا سينال مثل ما يفعل، يتوقد الصحو والعنفوان حين يخدش كرامتي وكبريائي شخص ٱخر وينقص من أهميتي ووجودي، فكياني رمز متعارف، وبصمة متوهجة لن يلمس مداها الساقطون بلا عقل ولا تمييز، السماء من تجود على الأرض وليس العكس، وأن الغراب إن وصل للقمة رحل الصقر ،ليس خوفا وإنما يعتبرها الصقر ليست قمة بعد الٱن، فيأتي الوجع كون أن الٱخر مسخر كي يحترمنا ويشد على أيدينا من مهالك الدنيا، وليس ليؤلمنا ويقتص من كرامتنا ويهون عليه إهانتنا ، والتي حتما سترد في وجهه هجمة مرتدة دون خيار ٱخر ، فلا إحترام ولا تقدير لمن تسول له نفسه في صنع وجع لقلب نقي ونفس قادمة من أرض معارك، مكبلة بخوض الأنين وإجتياز الصعب ولزم الصمت إن قدر لنا التحمل .
ان يكن جرحك غائرا ويأتي اقرب الناس ويضغط عليه مؤلم، وان تفتح شأنا لعزيز ويدق في خناقك ويلجمك المحبة التي كنت تعززها له يوما بعد يوم مفزع، ان تواصل التضحيات من أجل أن تكبّر مقام حبك واجتهادك وعلو تربيتك وصدق نواياك وتكافأ بالنكران والتهكم مذلة، ولكن أن تواجه الصعب وترمي كل ما تأتي به الريح في حاوية الوقت وإعتلاء القمة فهو إنتصار على نفسك أولا وعلى من تخطى الحدود، الوصول لنقطة سامية كبرياء مطلق وعزيمة أقوى لتكن من ذوات الدم البارد أحيانا لا يضر، لأن غليانه يتوقف على مدى الإهانة التي تعرضت لها، والضيم الذي إقتلع الفؤاد!، السماء ترعد حين يشتد الوطأ وتختلط الأحوال وتسوّد الدنيا بسحب الهمائل الحبلى بإستجابة الدموع، وإنفجار الكاظم غيضه يسد مسام الهواء لتتنفس الكبرياء ويسقط التحمل ويطفح الكيل، ويطلق البرق ألسنة النار ولا رادع لها إلا رحمة ربك.
الصمت حين تعلو هامتك ألفة وإطمئنان، هو أن تكتظ بك الخلجات المترامية وتسعد نفسك بالفخر والبهجة، لا تسأل حينها كيف كان الصمت أعشاشا خاوية من الضجة وعبث الحركة وصرير الصوت، وكيف أن الشعور بالسكينة ممتع وباهض الثمن، يتقاذفه المراؤون والمنافقون لإسعاد غيرهم على حساب أنفسهم، فقط للتباهي وللإشارة لهم بالبنان هذا وهذا، فهم دائمي الحركة لإرضاء فلان ومن أجل فلان، لن يتوسط سكينة نفسي إلا صمتي وقت سعادتي وراحة بالي، ولن أطالب لسد خانة أو ملأ فراغ، ولن أشقى وأتعب إلا من أجل سعادتي أولا ثم العد التنازلي، وليكن أول الصمت تجاهلك .