شذَراتٌ نوفمبرية
د. مصبح بن علي بن خلفان الكندي
لم يكن مرور الأيام بهذه السرعة مروراً عابراً، ولن ينساها العماني الأصيل مثل بقية الأيام، بل إن الفخر يناديه، وبزوغ فجر نوفمبر يزرع الفرحة في نفسه، لتكون له ذكرى ومشاعر جيّاشة، تحمل له عبق ماضٍ تليد، تفيض منها مشاعر المحبة لوطنه وسلطانه، يتذكر ما أنجز من معطيات الماضي وحافز الحاضر.
إن بزوغ فجر نوفمبر العظيم، لم ننساه، ومعه ذكريات اللقاء، وكلمات أثلجت صدورنا (شعبنا العزيز)، (قوّاتنا المسلحة)، إنها أيام عاشها العمانيون مع بعضهم متلاحمين مع سلطانهم، تحمل معها عبق الماضي وشجون الحياة، تهزّ كيانهم بفخرٍ وعزّة، ينتظرون تلك اللحظات ليسمعوا كلمات العزّ والكرامة.
إنها نقلة نوعيّة حَلُمَ بها العمانيون بعد معاناةٍ سبّبت لهم أرقاً في حياتهم، لتشرق عليهم شمس نوفمبر بذكرى عظيمة.
لقد جاب العمانيون البحار والأمصار، بحثاً عن الرزق وسعته، ومشاركة الآخرين أفراحهم وتقدّمهم، وسجلوا فيها ملاحم وبطولات، ثمّ عادوا إلى سلطنة عمان يحملهم حنين الماضي وبشرى المستقبل مع سلطانهم.
وضعوا ملحمةً يسعى بها الجميع من أجل رفعة عمان. ومضت الأيام، خلال خمسين عاماً عاش العمانيون شذرات نوفمبر وخيراته وفنونه وأفراحه، وتأتي مرحلة أخرى، لم يأفل شهر نوفمبر مع قائدٍ يحمل لسلطنة عمان أيضاً شعاراً آخر، حمل فيه الراية، وخاطبهم:
إننا ماضون على نهج المسيرة المظفّرة، ونفْس اللقاء والموعد، بإشارةٍ أخرى لمواصلة الطريق والتقدم والمشوار نحو المجد التليد، الذي بناه الأوائل، وبسواعد العمانيين مرةً أخرى يلامس شغاف قلوبهم قبل سواعدهم.
إن حياة العمانيّ ترتبط بماضيه، وعندما تهبّ رياح المستقبل والحاضر، يعكس ذلك على بذلِه وعطائه، ليجد نفسَه أمام بذلٍ وعطاءٍ مستمرَّين، وبذْل الغالي والرخيص، فقد أعطى العمانيون دماءهم الزكيّة من أجل سلطنة عمان، وجعْلِها في مصافّ الدول الكبرى، لتكون إمبراطوريةً عظيمةً امتدّت خلال السنوات الماضية، سجّلها التاريخ بأحرفٍ من نّور، حمَلها العمانيّ مع المحبّة والتقدير لمن بذلوا الغالي والرخيص.
إن الشعب العمانيّ ينتظر هذه الأيام بكلّ حفاوةٍ وبكلّ تقدير، ليلتحم مع قائده، ويجدّد العزم الأكيد، ويجدّد معه الطاعة من أجل رِفعة سلطنة عمان ووحدتها.
وأن تبقى عمان حرّةً أبيّة وعزيزة في ظلّ القيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه، وسدّد إلى الخير خُطاه.
لم يكن الطريق كما هو معلوم ممهداً، بل هناك الكثير من التحدّيات الداخلية والخارجية، حملها السلطان على كاهله من أجل قيادة سلطنة عمان المستقبل، حينما استلم الحكم، فقد نادى الشعب العماني أننا ماضون قُدماً لتحقيق ما نصبوا إليه من عمل، ومواصلة السعي نحو المستقبل المشرق، لتبقى سلطنة عمان في مصافّ الدول التي لها دور عظيم في استقرار المنطقة.
فالجانب الحياديّ في القضايا التي تمسّ أمن الوطن والمواطنين، بل والخليج العربي، يحمل هاجس التعامل مع استقرار مَن حولهم، فهم يفكّرون في سعادة الكلّ لا سعادتهم واستقرارهم.
أمّا الجانب الاقتصاديّ، فعمان حاولت العبور نحو سفينة النجاة، مع أن رياح الركود الاقتصادي تعصف بالعالم، من أجل رخاء ورفاهية شعب سلطنة عمان الأبيّ، من تنويع مصادر الدخل وغيرها، وجلب الاستثمارات في توسيع رقعة الدولة لتظل في عزّة ورفاهية.
أما الجانب العسكري:
فقد حافظت سلطنة عمان على استقرارها العسكري، باحترام المواثيق الدولية والمحلية، وعدم التعدي على الغير أو الجار، والحفاظ على الأمن والأمان واستقرارهما، لتكون منارة تحلّ مشاكل العالم داخلياً وخارجياً، ولتكون وجهة وقِبلة الجميع، ووفود الدول إليها من أجل تنظيم واستقرار العالم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وتوفير الاستقرار لجيرانها، فتارةً لحلّ المشكلات، وتارةً لإيقاف وقود الحرب المشتعلة التي أكلت الأخضر واليابس، فلم تنعم الشعوب بالاستقرار، فكانت سلطنة عمان مهداً لذلك من خلال وساطتها في المحادثات الدولية والمحلية التي أسفرت عن استقرار سلطنة عمان والمنطقة بأسرها.
أما عن الجوانب التعليمة ومسيرة الفكر والعلم، فسلطنة عمان ما تزال مهتمة بالعلم والعلماء قديماً وحديثاً، وتزويد العماني بكل ما يؤهله لتحمّل المستقبل، فجامعتها تقدّم كلّ فنّ من فنون العلم، وكلياتها المختلفة الصحية والعسكرية وغيرها تقف شامخةً رغم كل التحدّيات، وما يزال الشباب ينخرط فيها، ويكتسب العلم من منظوماتها المختلفة من أجل اكتساب المعارف والعلوم في شتى مجالات الحياة.
إن شهر نوفمبر العظيم الذي ينتظره العماني كل سنة، هو ذكرى عظيمة حملتها الأجيال من خلال مشاهدة مقاطع المسيرة والتقدم يحمل حافزاً عظيماً في كل مجالات الحياة، لنلتقي جميعاً تحت مظلّة الخير لهذا الشعب العظيم.
لن ينسى العمانيون حفل نوفمبر العظيم في اليوم الثامن عشر من كل عام، ينتظرونه أمام الشاشات، ليطلّ عليهم سلطانهم ويخاطب وجدانهم وعقولهم، يرسم البسمة على وجوههم، ليرسم لهم طريق التقدم وما يصبوا إليه من مجدٍ وعزّ ورفعه، حتى أفَلت شمس نوفمبر في مشهدٍ عظيمٍ عندما ودّعوا سلطانهم قائد المسيرة المظفّرة، ليبزع فجرٌ آخر لنوفمبر، وليلتحم الشعب من جديد، ويعود بالراية مقدامٌ آخر يقود سلطنة عمان إلى التقدم في ثباتٍ وعزّة وسعادة وحياة كريمة لتبقى عمان رايةً خفّاقة بإذن الله.
إن تقدّم سلطنة عمان، وخطاها إلى المجد، أذهل العالم في السنوات الماضية، مما ألبسها الاحترام والتقدير بين الأمم، وساعد على ذلك قوة وحنكة سلاطينها وإبعادها عن الصراعات الدولية والإقليمية والعرقية التي زجّت بالشعوب نحو التناحر والتفرقة ونهب وثرواتها، فأصبحت عدماً بعد أن كان لها صيتاً، فشعب سلطنة عمان له دور في استقرارها برغم المحن والعواصف التي تعصف بها، وقلّما نجتْ سُفن الحياة من أعاصير هذا الزمان وتقلباته، وحوادث طبيعية مشابهة، لكن سلطنة عمان تقودها حنكةٌ وقائدٌ هُمام، لنجد أن الشعوب تتخذ من سلطنة عمان محطة استراحة من أجل حلّ مشاكلها وصراعاتها الداخلية والخارجية، وعادت من جديد إلى ساحات التفاوض من أجل استقرار الشعوب والبُعد عن مشاكل الحروب وويلاتها وما تخلّفه من دمار.
إننا -نحن العمانيين- ننتظر أن تشنف آذاننا كلمات القائد العظيم في ذلك الموقف، لنرسم البسمة من جديد على وجوه أبناء الشعب العماني مع قائد المسيرة، مواصلين العزم الأكيد على أن تبقى سلطنة عمان حرّة أبيّة، ورايتها خفّاقة لننال شرف التكريم والعزّة بين شعوب العالم العربي والأجنبي،، فإلى الأمام مرّةً أخرى مع قائدة المسيرة، ولنترك ما يكدّر صَفوَ الحياة جانباً.
حفظ الله سلطنة عمان وشعبها وسلطانها وقائدها، وتحية لكل أبيّ يعشق سلطنة عمان وترابها، ويحافظ عليها من الفتن والويلات، سدّد الله مسعاكم نحو الخير والمجد يا قائد المسيرة والوطن، ولنلتقي في ساحات نوفمبر لنحفظ سلطنة عمان من الطامعين والشامتين وكل من تسوّل له نفسه الشتات والفرقة، بوركتِ يا أرض الحضارة، عهداً علينا أن نحفظ ترابكِ من كلّ سوء ومكروه.