يومَ أنْ قالتْ.. سلامًا
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
أشرق فجر يوم من أيام الشتاء، وعلى غير عادتها إذ بحبيبة توقظ زوجها أحمد، وقد استشعرت وهي في مرضها أنها أصبحت في صحة وعافية، وقلما أحست بذلك من قبل؛ فانتفض زوجها على أنغام صوتها الهادئ، وهي تضع يدها فوق رأسه كعادتها قبل أن يزورها المرض قائلة: قم للصلاة، ولم يصدق أن تلك اليد التي غمرته حبا عمرا طويلا قد عادت تعزف ألحانا على أوتار شَعْره قبيل الاستيقاظ.
نهض أحمد للصلاة، وحمد الله تعالى أن وجد زوجته في حالة جيدة، ودعا لها بتمام الشفاء خاصة أنها منذ ثلاثة أيام وهي مستلقية على السرير في مرضها دون إفاقة، وجلسا معا يتحدثان حديثا عذبا في هدوء وانسجام وقد حُرماه منذ فترة بعيدة، ولم يجُلْ ببال أحدهما أن هذا هو اللقاء الأخير بينهما، وكم تمنى أحمد أن يتوقف الوقت؛ ليستمتع بجمال حديث زوجته، وعذوبة كلماتها، ورقة مشاعرها، وابتساماتها الدافئة، ونظراتها الحنونة…!!
وتمر الدقائق مسرعة ويتناولان الإفطار معا، ويحتسيان الشاي في جلسة ملؤها أنهار من الحب تتهادى، وأطال أحمد النظر إلى عيني حبيبة، فوجد فيها شيئا لم يره من قبل، وأحس به نبض قلبه، وكأنّ هناك كلمات تنساب نحوه وتنسج خيوطا نحو قلبه مؤكدة أن وثاق الحب بينهما لا يمكن أن تنفك عراه ولو بالفراق، فمهما غابت شمسها فهي متربعة على عرش فؤاده، وتتجول فيه، وقد أحاط به حبها من كل مكان؛ فضمها إلى صدره وهي تستنشق عبق السنين التي جمعتهما معا في لحظات كلها دفء وحنان، وترفع عينيها نحوه فلا يتمالك نفسه؛ فتمطر سماء حبهما، فتتوارى عيناها، وأنّى لها وهي في قصر حبهما؟!
استشعرت حبيبة آلام اللقاء وهي تزداد، فبدأت تتحدث عن ماضيهما، وأول لقاء بينهما تحت تلك الشجرة التي نقشا اسميهما على جدرانها.. ولقاءات كثيرة من حبهما الذي سطّره تاريخ العاشقين، وأصبحت قصتهما يرويها المحبون والعاشقون، وتتجدد أحداثها في مناسبات كثيرة، وكأنهما أصبحا رمزا للحب النقي الطاهر، وعلت وجه أحمد ابتسامات قلبية أحست بها حبيبة، فقالت له: أتتذكر أنني كنت أخجل منك، ولا أستطيع مجاراتك في مشاعرك الفيّاضة؟ فقال لها: نعم، ولولاكِ ما فاضت مشاعري، فأنت نبضها ونبعها؛ فابتسمت ابتسامة من الماضي الجميل.
نظرت حبيبة إلى عيني أحمد وهي مطمئنة كل الاطمئنان أنها تركت أثرا في قلبه لا يمكن أن يُمحى مع مرور الزمن، هذا الأثر الذي سيتمدّ منه حبيبها قوته في تخليد ذكراها لأبنائهما، وأطالت النظر، وتمسّكت بيديه وهي في سعادة غامرة، واسترق أحمد حركة شفتيها وهما ينفتحان رويدا رويدا، وكأنها تخشى وقع الكلمات على قلبه؛ وإذ بها تقول: زوجي الحبيب، إذا دعاني ربي للقائه، ولم أستفق من غيبوبتي هذه المرة، فهذا قلبي معك، أبلغ أبنائي سلامي، ولك مني كل الحب، سلاما حبيبي.