إمرأة المطر
مريم الشكيلية
صدقني لم أكن يوماً أنثى عبثية أو طائشة حين أخذت هاتفي وأرسلت لك المطر عبر الأسلاك المتهالكة.
أردت أن تستمع معي وأنت في الجانب الآخر من هذا العالم إلى ما تسميه أنت بعزف القطرات على زجاج النوافذ.
أردتك أن تستمع معي إلى صوت السماء وهي تخرج من رحمها فصل البكاء.
كنت تقول لي دائماً: إن الشتاء يولد في داخلي من أوراقي وفي ملامحي، وأنه حين يبللني المطر يسقي جذوري اليابسة، ويغسل تربتي المغبرة، منذ ثلاث سنوات إلا فصلا، وخريف حرف.
في اللحظة الأخيرة حاولت أن أكتب لك لحظة انهياري المحتوم، بعد تلك الاهتزازات المتتالية، حين تصادف انهمار المطر، فلم أستطع، لم أقوَ حتى على إخراج سطرٍ واحدٍ من قلمي.
لم أكن يوماً إمرأةً مثقلةً بالأبجدية، ولكن في تلك اللحظة لم أقوَ حتى أن أتكئ على منضدة الحرف، كانت الكلمات تخذلني شيئًا فشيئا، وتفر هاربةً من ثقب بابي، فأرسلت لك المطر لعله يستطيع أن يوصلك بي أو يقلص تلك المسافات الوهمية.
لم أكن عزلاء أكثر مما أنا عليه الآن، ولم أكن محبطةً أكثر اللحظات في حياتي مما أنا عليه الآن، وأنا أترك نفسي تحت رحمة سياط المطر تصفعني في وجهي كأنني أستسلم لهذا الإنسحاب الجنوني من الحياة، وترف الإستسلام لرمادية الشتاء.
لا أريد أن أنقل لك خيبتي من خلال هذه الأسطر التي تمر الآن أمام عينيك، والتي ربما أنا الآن وأنا أكتبها في الجانب الآخر من الورق أحتسي فنجاني الصباحي، ولكنني أردت أن أوصل لك ما كنت قد أخبرتك به في آخر لقاءٍ لنا، ذاك الشعور الذي صعبٌ علي وصفه، أو نقله أو حتى تجاوزه، وأخاف جداً أن يكون هو القلق.
سألتني مرة: هل ممكن أن أكتب تحت المطر أو أن أسرق الحرف من قنينة ضوءٍ متوهج؟.
أجيبك الآن: إنني لم أختطف يوماً مفردةً من فوهة قلم، أو من ثغر ربيعٍ مزهرٍ بالورود، أو من على وقع رقص الفراشات. كنت أجر السطور حرفاً حرفاً من ذاك الألم الذي تسلل إلي، وأحكم قبضته على صدري.
لا زلت أحتفظ بعاداتي الشتائية، كأكواب القهوة الساخنة عندما أحتضنها بين يدي، وأرقب الأبخرة المتصاعدة منها، واشتهائي لقطع الشوكولا، وعادة استماعي لموسيقى الماء، وقراءة مقطتفاتٍ من أدب الرسائل.