متى ندرك أهمية السياحة؟
محمد علي البدوي
مما يدعوا إلى التفكير العميق موقف بعض الدول والشعوب من السياحة، فهي لا تنكرها حتى لا تتعرض للنقد الدولي، وربما أيضًا تتعرض لبعض العقوبات التي لا نعرف ماهيتها، ولكنها لا تفعل ما يجب عليها فعله حتى تنهض هذه الصناعة الهامة.
الشكل العام يوحي بأن هناك-أعني في تلك الدول- سياحة وبعض الأفواج القليلة تأتي وتغادر، ولكنها تظل مجرد أعداد لا تقارن بالموارد الطبيعية المتاحة لتلك الدول.
أول شيء يتبادر إلى الذهن عند تحليل هذه الظاهرة هو أن هذه الدول ليس لديها الكوادر السياحية القادرة على تنمية السياحة، وربما يكون هذا التفسير أحد الأسباب، ولكن مع عمق المشاهدة والرصد وتحليل البيانات نجد أن هذه الدول ناجحة في قطاعات أخرى تعطيها جم تركيزها.
فريق آخر يرى أن سبب تراجع السياحة في بعض الدول يعود إلى اعتمادها على موارد أخرى، مثل الصناعة والنفط وغيرهما من القطاعات، ولكن هذا الرأي يخالف المنطق، ولا أراه إلا أقرب إلى خزعبلات الليل.
كل دولة في العالم الغنية قبل الفقيرة تبحث عن مداخيل إضافية لزيادة دخلها القومي وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لملايين الشباب خاصة، مع حالة الكساد والركود التي تعصف بالاقتصاد العالمي.
رأى ثالث يرى في السياحة أنها خطر كبير على العادات والتقاليد والأعراف، ومن قبل ذلك كله خطر داهم على البيئة.
نعم ناقشنا هنا منذ فترة الآثار السلبية للسياحة على البيئة وناقشنا أيضا كيفية تجنبها. يتخوف البعض من إندثار الغابات بسبب البناء المتزايد الوتيرة بمناطق الغابات لبناء المنشآت السياحية وما يصاحبها من خدمات، ويتخوف البعض من السطو على مياه البحار والمحيطات وتلويثها، فكثير جدًا من الفنادق قامت بالبناء على الشاطئ مباشرة حتى حجبت البحر عن المواطنين العاديين، ونردد دومًا أن البحار ليست ملكا لأحد!
إحدى الدراسات تشير إلى أن عدم تجديد البرامج السياحية يعد أحد الأسباب التي تؤدي إلى عزوف السائحين عن السفر، وهذا أمر مقلق، ولا أعرف لماذا لا تقوم الدول بتنويع برامجها ومنتجها السياحي حتى تلبي كافة الأذواق.
ومقارنة بكافة القطاعات الأخرى نجد أن السياحة هي أقلهم خطرًا على البيئة، وأكثرها سعيًا لحماية البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية واستغلالها على نحو مستدام، فنحن جميعًا مسؤولون عن ترميم ما أصاب جسد السياحة من تصدعات، ونحن السبب فيها.
شعوب كثيرة لا تملك ما نملكه من موارد، ولا يوجد وجه للمقارنة، ولكنها امتلكت الإرادة فصنعت المستحيل. شعوب استغلت أصغر الأشياء ونجحت عن طريق فن صناعة الحدث في أن تجعل العالم كله يتحدث عنها؛ فنجحت في تسويق ما تريد بطريقة مبتكرة وجديدة.
نحن لا ندرك أهمية هذه الصناعة ليس من الناحية الإقتصادية فقط بل من النواحي الإجتماعية والثقافية والبيئية وعلى الصعيد السياسي؛ حيث تساهم بشكل مباشر في تقوية وتعزيز علاقات الدول ببعضها البعض.
سوف يكون لنا حديث طويل حول هذه النقاط في مقالات لاحقة.
حفظ الله شعوبنا العربية