وداد بنت عبدالله الجابرية
الريف هو المكان البسيط الذي يعيش فيه الناس البسطاء الناس، الذين قلوبهم بيضاء لا تحمل الحقد ولا الكراهية، بل تحمل الحب والوئام وروح التعاون، وتمسك بأيادي الآخرين ولا تترك أي يد تسقط.
الريف هو مدرسة لتنشئة الأطفال؛ فهو يعلم طريقة تربية الحيوانات والزراعة والسباحة وتسلق الجبال، وأهم درس يعلمهم هو التعاون ومساعدة الآخرين.
لو بدأت في حديثي عن الزراعة، فكنا نذهب مع آباءنا وأجدادنا لنرى ما كانوا يعملون ونحن في براءتنا، نبدأ في أخذ التراب ونضع عليه الماء ونقوم ببناء منزل أو عمل كعكة بتلك التربة المخلوطة بالماء.
في موسم الجداد(حصاد النخيل) كنا نتسابق من أجل جمع الصافور( التمر الذي لم ينضج بعد) ويسمى في بعض المناطق البسر؛ لنتجمع نحن الأطفال مع أمهاتنا لدق وتعديل الصافور، كنا نأخذه ونغسله وندقه ونخلطه بالمانجو الأخضر والفلفل والملح، ويكون طعمه حار وحامض. أو أننا نأخذ هذا الصافور ونقوم بدفنه في التراب من أجل أن ينضج ليصبح رُطَبًا.
وسوف أخبركم عن روح التعاون عند هطول الأمطار، كنا نتراكض في أنحاء المنزل بين من يقوم بتغطية المحولات الكهربائية، وبين من يقوم بإخراج السيارات، وبين من يدخل الملابس، فكانت حياتنا كسباق. وعندما تتساقط الأمطار وتجري الأودية كنا نقف مع بداية الحلة( جزء من القرية)وننظر للوادي، وننتظره ليهدأ ويتغير لونه الطيني إلى لون الماء الصافي؛ لنتسابق ونقفز إلى الجباه التي تكون هي الأغرق( الأعمق) ونبدأ في قياسها إلى أين تصلنا إذا كانت غريقة( أي عميقه جدًا) ونبعد أخواتنا الصغار ونتركهم في الغيل( المكان الذي نسبة عمقه أقل) حيث يجري الماء فقط على سطح الأرض.
بينما لو أخبرتكم عند تربية الحيوانات فلا تصدم نفسك، فنحن كنا نتسابق لأخذ صغار العنزة( الأغنام) ونظمها في أحضاننا ونبدأ بتقبيلها والمسح عليها، أو نقوم باللعب معها، نركض من هنا إلى هناك أو نقوم بإطعامها. وتعلمنا كذلك طريقة رعيها والذهاب بها إلى السيح ( مكان لمرعى الحيوانات)، وكنا نلتقي بالعصافير الصغيرة التي تسقط من أعشاشها ونقوم بتربيتها.
أما عن طريقة صيد الأسماك من الفلج أو الأودية، كنا نصطاد الضفادع الصغيرة ونقول بأنها أسماك، ويقول لنا الأطفال الذين هم أكبر منا سنًا بأن هذه ضفادع.
فمهما وصفت لكم عن هذه الحياة البسيطة فإنكم لن تستطيعوا الوصول إليها، إلا إذا كنتم قد جربتموها. ففي حياتنا تلك عندما كانت تنقطع الكهرباء في الليل كنا نحمل وسائدنا( مخداتنا التي ننام عليها) وأغطيتنا ونصعد إلى السطح لنكمل نومنا إلى أن تعود الكهرباء، وكنا نتحمل لسعات البعوض ونقاوم من أجل الهواء العليل.
أما بدايتنا مع الطبخ فكنا نتعلم من أمهاتنا ونبدأ في التعلم، مع إنها البداية لنا ألا أن نقوم نحن كمجموعة من الفتيات بالإتفاق لنذهب إلى السيح والطبخ، فكان السيح هو المكان لإبراز مواهبنا.
كذلك تسلق الجبال كنا على الإتفاق الدائم لنتسلق الجبل للوصول إلى قمته.
أما بالنسبة للعب، فكانا نلعب كفريقين أما أن تكون لعبتنا خريطة لتدور بناء حول حلتنا أو كرة القدم، أو مع الأطفال الأكبر منا الذين يقمون بتعليمنا ونحن صغار، فكانت الهدايا بسيطة جداً، كانت عبارة عن حلاوة ومعها حيوان أو ورقة تم الكتابة عليها.
ومع ذلك كله، وعلى الرغم من بساطة العيش تعلمنا أيضاً تقليد أصوات الحيوانات، وتسلق الأشجار، وتعلمنا محاكات المصلين، فقد كنا ندخل المسجد معهم ونجلس متأدبين إلى أن يقيم الأمام الصلاة ونبدأ في تقليدهم، ثم بعد ذلك الانتشار واللعب في أرجاء المسجد إلى أن يتم طردنا.
أما عن روح المغامرة؛ ففي أحدى الأيام حظرنا إلى مدرستنا وفي بداية الصباح الجميل بدأت الأمطار تهطل بغزارة، وبدأت نداءات القرية، كذا وكذا تذهب وإلخ، بسبب سوء الأحوال الجوية التي قد تؤدي إلى انقطاع الطريق بسبب الأودية، فكنا نتسابق مع المطر إلى السيارات التي تنقلنا إلى قريتنا، ولكن إلى أن نصل إلى الحلة التي نقطن فيها، تبدأ مغامراتنا في تخطيه (عبور ) الوادي، فكنا نقف السيارات عند الحلة الثانية، أي المسافة التي نقطعها للوصول إلى البيت كانت حوالي كيلو متر بعد وصولنا للحلة الثانية، وننطلق مشيًا إلى الحلة الثالثة لنبدأ النزول إلى الوادي، وكنا نتشبث بأيدي آباءنا لنصل إلى منطقة الأمان، وبعد ذلك نمشي ونحن نسرع في مشينا من أجل الوصول إلى المنزل وأخبار أمهاتنا بما حصل معنا.
كانت حياتنا بسيطة جدًا نعيش مع بعضنا البعض، أما الآن فقد أصبح المكان موحشًا، فالأجداد قد رحلوا والأهل قد غادروا القرية، فأصبحت القريه يسكنها القليل، فكانت لا تهمهم الخدمات أكثر من الأخوة والسعادة، أما الآن فأصبحت الخدمات هي الأهم.
وختامًا نعتذر للقراء الكرام باستخدام بعض الكلمات باللهجة العامية، وذلك من أجل استعادة الذكريات لتطوف بنا في ذلك الزمان والمكان…
