إمساك بمنكر وتسريح بإساءة..!!
سعد بن فايز المحيجري
كل أمر شرعه الله وأباحه له حكمة، وما من أمر نهى عنه وحرّمه إلا لعلّةٍ، منها ما علمناه، وكثيرٌ منها جهلناه، ومِنْ رحمةِ الله بعباده أنْ يسَّرَ لهم دستورًا يهتدون به وإليه، ومن السُّنن التي يكتملُ بها الكون، وعدّها الرسول -عليه الصلاة والسلام- من اكتمالِ دين المرءِ الزواج.
والزواجُ سُنّةٌ من سننِ اللهِ في خلقه، فقد يسيرُ على وفق ما كتب الله له من الوئام والاتفاق والاستمرار، وقد لا يُكتب له ذلك، فيكونُ مآله التوقف والانفصال، وهو الطريقُ الأنسبُ لهذا الزواجِ في هذه الحال.
إنّ الطلاقَ له أسبابٌ عديدةٌ لستُ الآن في مَعرضِ الحديث عنها، ولستُ في مقامٍ لأرميَ الأسبابَ على هذا وتلك، ولكن أقفُ مُسْتشْهِدًا بقوله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ…)[من سورة النساء 130]، وما جرّني إلى الحديثِ عن الطَّلاقِ هو ما يُحكى ويُتَداولُ ونسمعُ عنه في أروقةِ المحاكم في الآونة الأخيرة من الشكاوى والدعاوى مِمَّن كانوا بالأمس أزواجًا ضد بعضهم بعضًا، هذا يُقدِّمُ شكوى، وتلك ترفعُ دعوى، وقلَّما يُسمعُ أنَّ زواجًا انتهى بطلاقٍ هادئ جميلٍ، نعم، طلاقٌ جميلٌ، مثل الهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل.
أجهلُ الأسبابَ التي تدفعُ بهولاء إلى اللجوء لقاعات المحاكم، بعد سنواتٍ من العشرةِ الزوجيةِ، والسعيِ بكل طاقةٍ إلى حشْدِ الأسبابِ المؤيدةِ لدعاويهم، وإلى طَرْقِ كُل السُبُلِ لِكَسْبِ قضاياهم، فترى كلًّا من هؤلاء يسعى ويجتهد اجتهادا مُضنيًا في تَعْرِيَةِ من كان بالأمس القريب زوجَه، أمًّا لأبنائه، أو أبًا لعيالها، على غالب التقديرِ، بأنه لا يصلُح أن يكون امرأة رجل، أو زوج امرأة!
مهما كانت الأسباب، وأيّا كان المُتَسبب في وقوعِ الطَّلاقِ؛ فلا ينبغي أنْ يسلُكَ المُطَلِّقُ ومُطَلَّقَتُه مسلكًا يضعُ شريكَه السابقَ فيه موضعَ الاحتقارِ، وألَّا تصبحَ مكانتُه عنده من سقوط المنزلة على أجنحةِ الذُّبابِ والبعوضِ والنتن من الجِيَف؛ فبعد رِضاهما بالاقترانِ معًا، والعيشِ تحت سقْفٍ واحدٍ، والتَّعاهدِ على المعروف والإحسان، عليهما أنْ يُقَدِّرا ذلك بعد فراقهما، وأنْ ينظُرا إلى الفِراق نِظْرةَ خير وغنى من الله، الذي جعلَ الطَّلاق حلًّا نهائيًا -من بعد كل الحلول التي أرشد إليها في كتابه العزيز- في حال تعذّرِ استمراره، بسبب المشكلات التي تعترضه، لا أن ينظرا إليه على أنه بابٌ جديدٌ للمشكلات، فهذا ليس من مقاصدِ الشارعِ الحكيمِ في تحليلِ الطَّلاق، والقارئ المُتأمل لآيات سورة الطلاق بالتحديد سيلحظ أنّها توقد شعلة الأمل في ظلام اليأس، وتخرجُ المؤاساة من رحم المعاناة، وتعين على تجاوز المحنة والظروف التي قدّرها الله تعالى. ولا أحسب ما يقومُ به المفترِقان إلّا مضيعة للوقت والجُهد والمال، وتضييعًا لما يجب أن يُحافظَ عليه، وهو الأبناء، فإلى جانب الخسارة النفسية والمادية للطرفين، أنتما تمهِّدانِ طريق الضياع والشتات لأبنائكم، الذين لن ينشأوا في بيت مكتملة أركانه، فعلى الأقل هيئوا لهم بيئة صالحة، بعيدة عن ضوضاء البغض والكره.
وقد ارتفعتْ في السنوات الأخيرة الأصواتُ المُطالِبةُ بإجبارِ المُتقدِّمين إلى الزواجِ على أن تُقامَ لهم دورات تثقيفيّة لكلا الجنسين دونَ استثناء؛ نتيجة لِما تُعاني منه الزيجاتُ من قصور الفهمِ والدرايةِ الصحيحةِ لمشروعيّة الزواج، والأهداف السّامية التي من أجلها يقترنُ الزوجان، وهذا مطلبٌ أساسيٌّ، وأتفقُ جملةً وتفصيلًا مع مَن طالبَ بذلك، وفضلًا عن ذلك، فنحن بحاجة إلى أفرادٍ ومسؤولين مؤهَّلين للنصح والإرشاد، للأزواجِ الذين لا يُقدِّرُ اللهُ لزواجِهِمُ الاستمرارَ والدوامَ؛ وبيان السبيل الأنسب لإنهاء تلك الفترة من الحياة دون عقبات وعثرات، أو تنقيص وتنغيص.