عائشة
سالم بن محمد المعشري
أخي العزيز، كم اشتقت إليك. لقد كنتَ الشخص الوحيد الذي يفهمني، رغم إعاقتي التي تزداد يوماً بعد يوم، أنت وأمي صبرتما على مرضي، كنتما تظنان أنني عنيدة، ولكن، يعلم الله أني لست كذلك، لو تعلمان كيف كان المرض ينهش عظامي، كنتُ أتألم كثيراً، ولكني أمامكم كنت أضحك لكي لا أظهر بمظهر الضعيفة، رغم قسوة المرض الذي بدا منذ نعومة أظفاري.
الأطفال يلعبون في صغرهم، وأنا يلعب بي المرض. الحمد لله على ما ابتلاني به، أظنها نعمة.
كمْ كانت فرحتي كبيرة بمن يزورني، كنت أتمسّك به كي لا يخرج من بيتنا.
أنا فخورة بك يا أخي العزيز، لا أنسى وقفتك معي، دائماً أنت معي، في أكلي وشرابي ودوائي، كنتُ لا أصدّق عندما ترجع من العمل كمْ تكون فرحتي بك؟ أقوم من مكاني رغم مرضي، ولكني أنسى كل شيء أمامي.
أخي العزيز، سامحني، لقد أتعبتك كثيراً، ولو أني أعرف شخصيتك الطيبة للجميع.
الصراخ الذي يصدر مني ليس بيدي، أنه المرض القاسي.
أستغفر الله على ما أقول، ولكنها الحقيقة.
نسيت أن أخبرك عن أمي المسكينة كمْ أتعبتها طوال تلك السنوات، ورغم كل ذلك، هي صابرة على كل الركلات التي أصوّبها لها، تنظر إليّ بابتسامة عريضة، كي لا تحرجني أمامها، وأنا كما أنا، أبتسم ابتسامةً خفيفة، وبعدها أصرخ بضحكات، أُسمِع فيها من هم داخل البيت، وخارجه، لا أعلم ما هو هدفي من ذلك!
أيّ أمٍّ تستطيع تحمّل كل هذا الصراع؟ على مدى ٢٨ عاماً، وعلى كبر سنّ أمي ووضعها الصحيّ، ورغم ذلك، عندما تراها تقول إنها في راحة دائماً، وهي بشوشة الوجه.
أخي العزيز، نسيت أن أخبرك عن فرحتي عندما افتتح في البلدة مركز الوفاء، ذهبت أمي لتسجيلي لأتعلم بعض الحروف، أعرف كيف يكتب اسم عائشة، عائشة بالاسم، ولكن عقلي ليس معي، أخذه مرض الصرع الذي منعني من تكملة مشواري في الحياة، مثل أيّ فتاة تحلم بالتعلّم، ومنها فسحة لتغيير وجوه جديدة، ولكن فرحتي لم تدم كثيراً.
أحبُّ الأطفال كثيراً، لأني فقدت الطفولة، معظم أيامي أقضيها في المستشفيات، مواعيد إثر مواعيد، وأنا أبتلع ذلك السمّ (الدواء) الذي زاد من حالتي لسوء التشخيص، لو لم أبتلعه لكان خيراً لي، الحمد لله على كل حال، على الإنسان أن يشكر ربه في السرّاء والضراء، والمرض يعتبر ابتلاء من الله لعباده، وأنا فتاة صابرة وراضية بما كتبه الله لي، وعندما ينهش بي مرض الصرع، فإني أطلب من أيّ أحد بجانبي أن يقرأ لي. (بسم الله) كانت دعاء لي، وشفاء، ولو كان غير ذلك لصرخت من شدة الألم الذي يطعن في جسدي كسَكَاكِين.
الأدعية التي تلازمني طوال الوقت، ما زلتُ محافظة عليها بشكل يوميّ قبل أن أنام.
أختي الصغيرة نسيت أن أخبركم عنها، هي في نظري كبيرة جداً، مسكينة أنتِ يا أختاه كمْ تحمّلتني، ولكني أدرك تماماً أنك في قمة السعادة.
أختي تقرأ لي أدعية وآيات قرآنية لكي أنام، ولكني أنام بضع ساعات فقط، والبضع الآخر أصارع فيه مع المرض.
أخي العزيز، عندما انتقلت معك إلى منزلك الجديد، كنتُ بين شعورين: فرح وحزن) لأني سأفارق رائحة أمي، نعم، رائحتها تلفّ المكان من كل جانب، الغرف، وفسحة البيت. كنت غير متوقعة أن أخرج من البيت الذي ولدتُ فيه وعشت فيه سنوات عمري. في تلك الشهور التي قضيتها في بيتك، كنتُ دائماً أنام متعبة، فقدتُ أعزّ ما أملك، وهي أمي، كنت حزينة جداً لفقدها، أفكر فيها، تُرى أين ذهبت؟ هل كانت غاضبة مني؟
تساؤلات كثيرة تدور في رأسي لا أجد لها أيّ تفسير.
هل تظنون أني لا أعرف أنها رحلت؟ بالتأكيد، لديّ إحساس من تلك الليلة أنها رحلت دون أن تودعني، رحلت إلى الله. قبل رحيلها بشهور، كانت تستعد للرحيل، فهي خرجت من البيت لمرضها المفاجئ، تعبت ونُقلت إلى المستشفى، وبعدها أتتها المنية ورحلت.
﴿ كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ ﴾-[آل عمران: 185]