تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

خَسارة تجلب لك مكاسب

د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com

في الحياة مراحل يمر بها الإنسان، ويحاول جاهدا أن يقدم شيئا يحمد له، ويكون في سيرته الطيبة؛ أملا في أن يجد لنفسه مكانا بين الآخرين محاولا أن ينتهج نهجا قد يظن أنه – من وجهة نظره- صواب، وقد يكون من وجهة نظر غيره غير ذلك.

وأذهب أبعد من ذلك عندما أقول: أحيانا يشعر الإنسان بميلاد أمل جديد في بعض أعماله التي لم يُوفق فيها إلى ما كان يرجوه، ويستشعر في تلك الأعمال مكاسب حققها، وإن بدت في نظر الآخرين غير ما رآه، لكن الأمور لا تقاس بمعايير ثابتة في كل مرة، وإنما أحيانا يكون معيار الخسارة هو في حد ذاته يعد معيارا للمكسب، فكم من خسائر متنوعة تمر، ونتعايش معها، وتكون خيرا، وإن فقدنا فيها كثيرا!

هذا، وقد انطلقت منذ أيام بالعاصمة الماليزية كوالالمبور بطولة كأس وزير الشؤون الإسلامية لمناظرات الجامعات باللغة العربية التي تشارك فيها عدة جامعات من أنحاء ماليزيا، وقد أعدت اللجنة المشرفة على المناظرات عدة موضوعات تعالج قضايا معاصرة تهم المجتمع الماليزي، وتسعى نحو التعبير عن حالته تجاه بعض المستجدات العصرية التي تشغله في السنوات الأخيرة، ومما زاد الأمر حيوية ونشاطا تلك المعالجات التي قدمتها فرق الجامعات المشاركة سواء أكانت من الموالاة أم من المعارضة، وهذا بدوره جعل المناظرات تتسم بالقوة والإبداع مع تنظيم فاق كل تقدير من قِبل الهيئة المنظمة بالجامعة الوطنية الماليزية (UKM) بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية الماليزية.

وقد رأينا بعض السمات الغالبة على الفرق التي خرجت من الدور الأول أو من ربع النهائي تتمثل في تحقيقها مكاسب لم تكن تتوقعها قبل المشاركة على الرغم من خسارتهم، ومن ذلك ما شاهدته في لقائي ببعض طلاب جامعة UniSHAMS ؛ حيث قالوا: كنا نخشى المشاركة في هذه المسابقة؛ لأننا لا نملك خبرة جيدة في المناظرات، وقد حرصنا حرصا شديدا على أن نجتهد في عرضنا وتفاعلنا، ورأينا أننا حققنا مكاسب كثيرة على الرغم من خروجنا مبكرا، فقد حققنا انتصارين، ولم نوفق في ثلاثة، ورأينا أننا يمكننا صناعة الأمل بعد خسارتنا في الجولة الأولى، وهذا جعلنا نعيد ترتيب أوراقنا سريعا؛ فانتفضنا وتَشبّعنا حماسة وإصرارا نحو تحقيق أهدافنا على الرغم من أن هذه تعد المشاركة الأولى لنا في مناظرة رسمية، وقد أفدنا من جميع الفرق التي قابلناها، ورأينا أننا بإمكاننا أن نقضي على شبح الخوف الذي أحاط بنا خاصة ونحن نعلم أن تلك الفرق أكثرها يمثل ماليزيا عالميا خاصة في مناظرات قطر وتركيا، وتمتلك كفاءة عالية من الأداء وإجادة المناظرات في صورة قوية، فنحن لم نخسر، وإنما حققنا مكاسب عدة يوم أن شاركنا على الرغم من أننا لم نتلقَّ تدريبا كافيا لضيق الوقت وأشياء أخرى، وتوقفنا كثيرا عن المشاركات بسبب جائحة كورونا ( كوفيد-19)، وكذلك لم نكن على علم كافٍ بمستجدات المناظرات في الفترة الأخيرة، وأيضا قضايا المناظرات كانت قوية وعصرية خاصة تلك القضايا التي تُعطَى لنا قبل المناظرة بنصف ساعة، وهذا بدوره جعلنا نعصف أذهاننا نحو إخراج أجمل ما عندنا، فكنا أكثر فاعلية في عرضنا، وهذا بشهادة كثير من المحكمين الذين تعجبوا كثيرا عندما علموا أن هذه أول مشاركة لنا في مسابقة رسمية وظهورنا بهذا المستوى الراقي، وقد حققنا فوزا لأفضل متناظر مرتين، وعلى الرغم من خسارتنا فإنها أثمرت لنا مكاسب كثيرة، ونحن سعداء بهذه المشاركة.

قلت في نفسي بعد أن استمعت إلى كلماتهم، ورأيت تلك البسمات التي علت شفاههم وهم يتحدثون: إن المكسب الحقيقي هو في إعادة الثقة بالنفس لدى هؤلاء، وترتيب أوراقهم، وتشبعهم بالإرادة والعزيمة نحو تحقيق أهدافهم ولو بعد حين، وأن خسارتهم لا تعد خسارة، وإنما هم من كسبوا يوم أن صنعوا الأمل وقضوا على اليأس، وأجادوا العمل وطردوا البأس، وكلي يقين -بعد الذي شاهدته في أحاديثهم- في أنه لو قُدّر لهؤلاء المشاركة في مسابقات لاحقة، فإنهم سيكونون -بإذن الله تعالى- رقما مهما لا يُنسى بعد أن يُعيدوا بناء أنفسهم، وحقا، ما أعظمها خسارة تجلب لك مكاسب!

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights