2024
Adsense
قصص وروايات

مساء.. وغيم.. وحلم

بقلم – شريفة بنت راشد القطيطية

لم يعد المساء كما كان، ولم يلتصق بوجعي كما عهدته، ولم يعتق الأنفاس كما أخبرته، ولا يساعدني على ادخار الوقت، متمرد خجول، وابن أيلول يتحدث معه دائمًا عن اقتناء أنثى غيري لم أعد أحبه، ولم تعد لي خفقات كما أراد، يتعطر من دجاه ويبتذل خطاه، ويعده للفجر قربان عشقٍ، ويتركه مغايرًا عن سابق عهده، يقتني أجنحة الليل، ويسافر به إلى أدراج مقفلة وقلوب نائمة، ويتدخل بفضوله المزعج فقط ليبعد عني المساء الذي يأخذني لأرواح بعيدة أقبل خدها وهي نائمة ليطمئن قلبي.

يأتي المساء ناعسًا جدًا كأنه قادم من مخزن ذخيرة وأنفاسه أخيرة، تدنو من آخر ثوانٍ لتعانق عقارب الساعة، ويشم هو أنفاس الليل بطريقة عاشق، ويحدق في مقعد خشبي تعوّد أن يراني هناك حول حفنة من الذكريات، كان مترجمًا فاشلًا حين أخبرك عن بعدي عنك وتجاهلي لنبض قلبي، لم يعد يفهمني كأنثى، وعدت أنسى كمّا عظيمًا من شوقي لك، وطوقت جثمان الليل بأنين قلبي حين يحن إليك، كم أجمع العابرين على نهايتي وعباءتي ملأى الشوق تعصف بالعودة إليك، وحقائبي حبلى بالنبضات، والمساء ذلك الحالم بوهم الرجوع، وتلك الدموع سوسن في الكفوف روائحه متمردة، وأنفاسي متعددة، ولم يتبقَّ لي إلا قلبي أعده قصة مساء وغيم وحلم.

الغيم.. يتقمص شخصيتي، ويعتنق القادم من الله، ويعاكس مقدرتي على العصيان، ويجلب لي الشوق مقيدًا خجولًا ويملؤه الثمول، ويعدو في أنفاسي غارقًا في التنهد ومقاتلًا جيدًا يرج الغيم من ابتهالاته، ويلقي الإنشاد، ويزداد اخضرارًا، ويقفل الأبواب، ويقول: ها قد أتيت في حرم الغيم، فأطلقي سراحي؛ لأنهال على حبك بالقبلات، وأشد على يد الغيث أن يبدع، الغيم سيد المكان ونحن مجرد عابثين بالوقت والمكان، وهو مصان ويرتعب من وقعنا في مقامه وحضرته، أريد أن أنسى الشوق وأتحرر، وأحسب أيامي معك روضًا لعبت فيه ذات يوم، وأحتضن براءتي، والآن كبرت وصرت أكثر جنونا.

حلمي يأخذني في عربات من الياسمين بين الثلوج، وإصبع موجودة في عيني يعوق مساري، والمساء آخذ بالدلال، ويطوق مبسمي بالسدود، ويتهمني بإغلاق الشعور والغيم ما ألذه! يراقب عربتي التي ستطير بعد منتصف الليل إليه، وأتجرأ أن أطلب منه أن يأتي بحلمي، وأن ينتزع تلك الإصبع التي ستنال عقابها إن وقفت في طريقي، وابن أيلول ليس بمسؤول. إنها العزائم تأتي في منتصف النهار، وتغسل الغبار عن الطريق، مسائي وغيمتي وحلمي أهم لدي من خذلان وهجر وصد، ولن أتنازل عن حلمي، أنتظر فقط العد إلى العشرة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights