اختر كيف تحياها؟
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
هي حياة واحدة يحياها الإنسان في دنياه، سواء أكُتِبَت عليه السعادة أم الشقاء؟ فعش حياتك، وعش اللحظة، وفتش عن تلك الأيام التي وهبك الله تعالى إياها بما فيها، وأنت مؤمن بأن بإمكانك أن تسقي أرض الشقاء بردا وسلاما وطمأنينة، وليكن هذا آخر لحظاتك في حياتك؛ فاختر كيف تحياها؟ وعشها بكل ما فيها كأنها آخر عهدك بدنياك.
وهذا المفهوم الذي يتمثل في إيمانك بأن “كل أيامك نعم من الله تعالى؛ فاختر كيف تحياها” يكاد يرسم لك طريقا واضحا لاختيار منهجك في حياتك، وثمة أمور قد تؤثر في مجرى حياتك، فتحولها من حال لحال، وأنت ترقب وتشاهد دون التنبه لمثل ذلك، وما هي إلا أيام وينقضي عمرك، وتنتهي حياتك!
وحينها تتذكر قول الله تعالى متحسرا: ﴿ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي ﴾. [الفجر:24 ]
لذا كل يوم يمر عليك وتقدم فيه شيئا جميلا لنفسك ولأسرتك ولمجتمعك ولوطنك، فهو نعمة من الله تعالى؛ ومن ثم فتش عن تحقيق سعادتك في حياتك؛ لتنعم بها مع اختلاف الأهداف والأمنيات التي تتمناها، وتسعى نحو تحقيقها؛ لذلك املأ نفسك بالحب والعطاء، وطور من وسائلك ونَمِّ مهاراتك لتبني حياتك.
ولا تنسَ أن هناك متاعب راودتك يوما ما وألَّمت بك آلام، كما راودت غيرك، وألمت بهم، لكن كيف تعاملت معها وتعامل غيرك؟ هل استسلمت كما استسلموا؟ هل أحسست بالفشل كما استشعروه ووقعوا فيه؟ هل شعرت أن هذه وتلك وغيرهما نهاية المطاف؟!
حينئذ قل لنفسك وأنت مُجهد ومُعبّأ بالكثير من الهموم: كل هذه الأحداث نعم من الله تعالى، فكيف أحولها من حال لحال؟!
آمِن بنفسك أن لديك قوى خفية تختلف عن غيرك تعينك على تخطي العقبات، فأنت بداخلك خير كثير، لكن.. لا تملك مفاتحه، فابحث عنها في أعماقك ستجدها واضحة جلية، فالله -عز وجل- ميزك بما لم يميز به غيرك، وأعطاك الكثير – فقط – كن مبصرا؛ لترى أن أيامك كلها نعم من الله تعالى وأنت في غفلة من هذا، تسير في حياتك وتسبح في بحارها العميقة ولست ماهرا في السباحة، فتغرق.. وتغرق.. ونسيت أنك لم تَحْيَها، ولا ينفع الندم ولات ساعة مندم! فأين أنت؟!
قم.. وانهض.. واستمر..؛ فأيامك كلها خير، وما دامت عزيمتك قوية، فسوف تتخطى هذه المنحدرات وتمر؛ إيمانا منك بأن في داخلك باعثا يدفعك نحو زرع بذرة أمل، ويقتل في داخلك اليأس، ويفجر تلك الطاقات الكامنة نحو حياة أفضل؛ مما يجعلك ممتطيا جوادك نحو الغد المشرق، ومقتديا بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:”إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها”. [الألباني: صحيح الأدب المفرد371] وحينها ستجد علَمك يرفرف خفاقا بين يديك مُعلنا: أيامك نعم من الله تعالى؛ فاختر كيف تحياها؟