طه جمعه الشرنوبي – مصر
تخيّلتُ أنّ رجُلاً استقل حافلة هو وزوجته أو أخته أو حبيبته أو أمه، وأن أحد الركاب في الكُرسي الخَلفي التالي لهم، وحاول أنْ يَمُد يده يسرق لمسة تحرشاً من هذه المرأة، فقام الرجل المرافق لها ببتر أصابعه بضربة واحدة بسكين نزعها من طاقم سكاكين متعددة، كان قد اشتراها قبل استقلاله الحافلة للطهي والطبخ بما يتناسب مع استخدام كل واحده، واحدة لقطع اللحم، واخري للعظم، وأخرى للفاكهة وتقشير البرتقال.
وأصبح الجميع في حالة من الهلع والرعب وبعضهم يلوم بعتاب شديد اللهجة يصل للتوبيخ، وبعضهم وصل لحد التعدي.
ذهب الجميع – طاقم السكاكين واللصوص والرجل والمرأة – إلى الشرطة؛ لتباشر عملها بالتحقيقات.
وقفوا جميعهم أمام ضابط الشرطة يتناوبون ويتبادلون الاتهامات، بعضهم اتهم السكاكين لأنها حاده عن اللازم، وأنه كان على المتهم استخدام سكاكين أقل حدة من هذه، أضرب المتحرش لكن لا تجرحه، وبعضهم ألقى باللوم على أصابعه، وأن له عينان ولسان وشفتان بإمكانها التحرش واللمس دون ترك أثر ودون أن يلقى عليه باللوم أحد، ومن الغباء أنك قررت التحرش باللمس عن طريق اليد.
وأخرين يتبادلون الاتهامات المغلفة في علبة الحوار ” هو مكانش ينفع يتحرش بس …”
أغلق الضابط المحضر في ساعته وتاريخه وترك الأمر للنيابة، وحول جميع المتهمين والشهود وسائق الحافلة والمشاهدون والصبي الذي أرسلته أمه إلى البقالة ليشتري لها التوابل أيضاً إلي النيابة.
وكيل النيابة طلب من الشرطي إدخال المتهم والمرأة، فخرج الشرطي يسأل عن المرأة وينادي؛ ليعرف المتهم.
فسأل الشرطي من الذي جاء برفقة المرأة ؟!
فقال جميع الرجال المتهمون ” أنا، أنا، أنا… ” حتى ذاك الصبي الذي كان يشتري التوابل، والشهود الذين لم يروا شيئاً.
اندهش الشرطي ودخل إلى وكيل النيابة يخبره بما حدث، وأنه قام بالنداء عن المرأة فأتته، ولما سأل عن المتهم جميعهم قالوا ” أنا، أنا، أنا…”.
قال وكيل النيابة: ” ادخل المرأة أولاً ثم ادخلهم واحداً واحداً لنتحقق الأمر”، فخرج الشرطي وادخلهم واحداً تلو الآخر والمرأة كان ولا تزال قيد التحقيق والمواجهة أمام الجميع.
انتهى التحقيق، وصدر قرار بتحويلهم جميعاً إلى المحاكمة.
المحاكمة وقفص الاتهام… ” يتبع… لاحقاً.
