يعزف العناد ويغني الكبرياء..
شريفة بنت راشد القطيطية
العاشق الحر يبحث عن مدائن السكر
ويختزن الذوق والحكمة.. يتجه نحو قلب بكل قراه وأعمدته وفواصله وأبوابه ونوافذه، ويأتي كالرعد معلنا التمرد، ويذهل الوجود ببواطن نبضه.. يحمل كل سلال الورد معه، ويغمس الخبز بماء عشقه، ويأمره بأخذ جميع المآذن وقمم الجبال، ويثبت صدق نوايا قلبه..حين ينحني امتنانا يسقط الكبرياء إلا صمته يحدق في عين المحب معاتبا.. وحين يبعد امتثالا لرغبة مرة، يرسل كل طيوره تسلم أخبارا لذات القلب الذي رحل عنه وتركه مختبئا تحت ضلوعه وبين أحداقه.. العاشق هنا يبحث عن أسباب مقنعة ليملك سر عمقه الذي ذاب من حرية امتلاكه لروح قبل القلب.. ويربط أنصاف الحلول ليتوصل للمدينة العاصمة التي يقصدها العاشقون؛ لفك الرموز وإيجاد البؤرة المقصودة. العاشق الذي لا يتكرر يتنازل كثيرا، ويحول الدنيا لباقة ورد، وحبيبه أجمل الورود ..ويلتمس له أعذارا ويقنع نفسه أنه معذور.. يأتي من عمق المساء ويتوه في محاسنه، ويتوسد صباحاته ويشم رائحته في كل مكان.. يأخذ من مداخل قلبه جمالا، ويلبسه ثوب النقاء ولا يقنع نفسه بأخطاء محبوبه.. وحتى وإن رحلوا عنه يظل يذكره بكل حب ويشتاق إليه ويحن كثيرا لدقيقة عشق عاشها معه…يأتي بألف عذر له ..وينسى كل شيء بمجرد أن جاءه معتذرا.. ويترجى الكبرياء للسفر، ويحزم حقائب الزعل، وينتظر بلهفة متى يأتي ويحضنه من جديد. العاشق الٱخر متورط جدا.. يحمل بين أكتافه هما وجرحا ولهفة عارمة، ولكنه مخنوق من شيء ما ..تعتريه قوافل أشجان وتثقل من مسيره نحو من أحب.. تشتد عليه مآسي الدهر وحدود الهيجان ولا يستطيع التتبع.. إنه ضائع في ليل صحراء ولا يعرف علم النجوم، وقد أثبت حبه قبل ذلك بكل صدق.. إنه معتقل في سجن روماني قديم، وأسواره عالية، وقيوده ثكلى، ومحازم ضعفه تكبر لديه ..إنه لا يتخيل سحر حبيبته ومبسمها الحر.. ولم يتعود خوض معارك من أجل آه واحدة يسمعها من أنفاسها العطشى بحضنه المقيد.. إنه أحمق دون شك. العاشقان هنا لن يلتقيا.. إن كان الكبرياء لديه مسموم والعناد سيد الموقف.. يتراسلان بنبض حروف وخوف.. ويتهامسان من البعيد بالوعيد، ويخوف بعده سيدة النساء، ويخاف هو من معانقتها كي لا يفقد الكبرياء.. السيدة العاشقة تمثل أمامك بالرحيل.. والسيد العاشق ليس لديه سبيل.. العاشقان مغرمان لحد الثمالة، وهو من يهرب باعتقاله.. ويتعبد كي يعود، وهي تستغفر كي تجود.. العاشقان مشتاقان لرعد قلب يمطر سحبه بلا هوادة… وطبع عشقهما على مستوطنة القلوب .. بلاخوف ولا ذنوب.