2024
Adsense
مقالات صحفية

هكذا علمتني الهجرة النبوية الشريفة

مياء الصوافية

عندما يكون الدين هو الوجهة الأولى لفكر الإنسان، والمحرك الأسمى لتكوين الدولة ذات المنهج الصحيح، والتنظيم الساعي لحماية كرامة الإنسان دنيويا وأخرويا؛لأجل هذا كانت الهجرة النبوية الشريفة؛ هجرة النبي الأكرم محمد ابن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى يثرب – المدينة المنورة – كما سميت بعد احتضانها لنور الإسلام وشمسه الهادية للعالم أجمع.

إن مفهوم الهجرة النبوية الشريفة هو مفهوم الهجرة من أجل العقيدة، وترك الوطن والأهل ومكان النشأة، والتجرد من العلاقات الدنيوية إخلاصا للدين، وتفانيا للدعوة إلى الله، وانقيادا لأوامره تعالى ؛ حتى تشرق شمس الدين على كل أرض يعيشها الإنسان؛ لتغذي صعيدها وأصولها؛ ولتكون هذه الأرض أوطانا إسلامية يحكي ترابها طهارة ممتدة من السلف إلى الخلف يحيا عليها الإنسان.

إنه رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم )يترك أحب البقاع إليه -إنها مكة المكرمة-، فقد روى عبدالله بن عدي بن حمراء أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: وهو ينظر إلى مكة مودعا إياها:”والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجتُ”.
نفهم من الهجرة النبوية مفاهيما سامية كثيرة منها: الحفاظ على كرامة الإنسان، وانتزاعه من قيود العبودية ومهانة الذل؛ فقد لاقت الفئة المستضعفة في مكة من الموالي الكثير من العذاب كسيدنا بلال بن رباح (رضي الله عنه)، وأسرة آل ياسر (رضي الله عنهم) الذين ضربوا أروع الأمثال في الصبر؛ فما كانت هذه الهجرة إلا تنفسا لهواء الكرامة وكسر لظلمة التبعية.

تعلمنا الهجرة إن الدين الإسلامي الجديد يتحدى القيود، ويتسلق العقبات بروح وقّادة؛ فكل عرقلة ما هي إلا خطوة للأمام؛ فقد حاصر كفار قريش بني هاشم في شعب بني عبدالمطلب لكن بالرغم من ذلك كان الإسلام، وعمّ كل البقاع – بإذن من الله – حرية مقننة منظمة حامية.
تعلمنا الهجرة بأن الأهل هم العزوة حين يكون الإنسان أعزلا أمام مؤامرات الظلم، وهم الحصن المنيع- بأمر من الله – في وجه الأزمات؛ فهذا عليّ (رضي الله عنه) بات في فراش النبي(صلى الله عليه وسلم ) ليلة الهجرة، وكذلك عبدالله بن أبي بكر (رضي الله عنه ) يأتي بأخبار أهل مكة، ولا ننسى أسماء بنت أبي بكر الصديق( رضي الله عنها )وهي تحمل الزاد تقطع الصحراء يحرسها عون الله(تعالى) ولطفه.

تعلمنا الهجرة معنى الصداقة المحضة التي تمتزج بها النفوس؛ لتغدو كأنها نفس واحدة؛ فسيدنا أبو بكر الصديق لم يتمالك نفسه من شدة الفرح فبكى؛ عندما اختاره رسولنا الكريم( صلوات الله عليه وسلامه)؛ ليكون رفيقه في رحلة الهجرة، وقد ضرب سيدنا أبو بكر في هذه الرحلة أروع الأمثال في الصحبة الطاهرة المخلصة المعينة المضحية.

إن مفهوم الأمانة المتناهية علمنا إياه رسولنا الكريم؛ فها هو يطلب من عليّ (رضي الله عنه) أن يرد الأمانات إلى أصحابها حين يهاجر إلى المدينة المنورة، وعلمنا الأمانة العظمى وهي حمل أمانة نشر الدين الإسلامي.
ما أروع الهجرة وهي تعلمنا الصدق في تحمل المسؤولية، وتزرع في جوانبنا الأمل!
ما أنبلها حين تعلمنا ألا نفقد الأمل، وإنما علينا أن نسير خلفه ولو كان هذا الأمل بصيصا من نور واحد!.
تعلمنا منها أن بعد الظلمة نور، وبعد الغسق فجر قادم يمحو السواد من كل الأرجاء، و منها نستوحي معنى التضحية بالنفس والأهل والوطن والمال من أجل الدعوة إلى الله؛فالله عنده العوض العظيم في دنيا نعيشها وآخرة ننتظرها.

هناك الكثير من الدروس تعلمنا إياها الهجرة النبوية منها: العفو عند المقدرة؛ فرسولنا الكريم يعفو عن أهل مكة بعد ثماني سنوات من فتح مكة، كذلك نتعلم منها مفهوم التكافل الاجتماعي الذي ظهر جليا في مؤاخاة رسولنا الكريم بين المهاجرين والأنصار، وقام بتنظم المجتمع تنظيما مدروسا؛ منه تنظيم العلاقات بين المسلمين واليهود، ونظّم العلاقات لكل مجتمع في المدينة على حسب ترابطه وانسجامه.
ولرسولنا (صلى الله عليه وسلم ) منهج في تكوين دولة جديدة حديثة باقتصادها؛ فقد كوّن اقتصادا،وأنشأ سوقا إسلامية بعدما كان اليهود مسيطرين على الاقتصاد، ويفسدونه بالاحتكار والغش.

ولابد للدين الجديد من علامة جديد، وسمة بارزة يقيمون فيها شعائرهم بكل أريحية؛فأنشأ رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم ) أول مسجد الذي هو مسجد قباء.

إن الهجرة النبوية الشريفة ما هي إلا مدرسة يتعلم المسلم من مفاهيمها الكثير، وعليه مع بداية كل سنة جديدة أن يجدد العهد مع الله بالامتثال لأوامره، والتأسي بسيرة رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) .
فلنجدد العهد بالولاء لسنتنا الهجرية؛ بتعلم شهورها القمرية،
وتعليمها لأبنائنا غير المدركين لمعانيها السامية، وأن نؤرخ أحداثنا اليومية بها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights